ولم يخرج أحمد كلا الحديثين في مسنده، ولم يخرج له سوى حديثه عن أهل الشام، بل ما أقل حديثه في الكتب الستة وغيرها، وقد أشار إلى ذلك ابن عدي.
وفي المقابل؛ فقد بوب البخاري في صحيحه بابا، وترجم له بمتن حديث أم سلمة هذا، فقال:«باب: ما أديت زكاته فليس بكنز»؛ وأخرج فيه أثر ابن عمر (١٤٠٤)، ثم حديث أبي سعيد (١٤٠٥)، ثم أثر أبي ذر (١٤٠٦)، ثم حديث أبي ذر (١٤٠٧ و ١٤٠٨)، ولم يعرض لحديث أم سلمة هذا، ولو كشاهد لأحاديث الباب، أو كمتابع لأثر ابن عمر الموقوف، أو حتى الاكتفاء بتعليق موضع الشاهد منه جزما أو تمريضا؛ مع خلو جميع أحاديث الباب عن معنى حديث أم سلمة في زكاة الحلي، واشتمال أثر ابن عمر الموقوف على معناه في كون المال إذا ما أديت زكاته فليس بكنز، ومع هذا فإن البخاري عمد إلى استبعاد هذا الحديث من صحيحه، مما يدل على ضعفه عنده، بل ونكارته، والله أعلم.
وعلى هذا؛ فلا ينبغي لأحد أن يقول في إسناد حديث رواه ثابت بن عجلان بأنه على شرط البخاري؛ حتى يتابع عليه ثابت، ولا ينفرد به، ولا يكون معلولا، حيث إن البخاري إنما أخرج له حديثا واحدا متابعة، وأعرض عنه مسلم؛ بل إن البخاري قد أعرض عن حديثه هذا بعينه عمدا، مع مسيس حاجته إليه في بابه، والله أعلم.
قلت: والحاصل: فإن تفرد مثل هذا عن عطاء بن أبي رباح دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم: مما يعد منكرا، ولذا فقد أصاب البيهقي حين قال:«وهذا يتفرد به ثابت بن عجلان»، وأخطأ من تعقبه بقوله:«ولا يضر، فإن ثابتا: وثقه ابن معين، وروى له البخاري» [المحرر (٥٧٧)] [وانظر أيضا: بيان الوهم (٥/ ٣٦٢/ ٢٥٣٥)، والتنقيح (٣/ ٧٧)، ونصب الراية (٢/ ٣٧٢)].
قال الذهبي في ترجمة ثابت من الميزان (١/ ٣٦٥): «فمما أنكر عليه: حديث عتاب بن بشير، عنه، عن عطاء، عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هو؟ قال: «ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز».
قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به فناقشه على قوله أبو الحسن ابن القطان، وقال: قول العقيلي أيضا فيه تحامل عليه، وقال: إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقا، أما من عرف بها فانفراده لا يضره، إلا أن يكثر ذلك منه.
قلت: أما من عرف بالثقة فنعم، وأما من وثق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه، ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث، فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرا، فرجح قول العقيلي وعبد الحق، وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر، … ».
وقال في موضع آخر من الميزان (٣/ ١٤٠): «وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا».
قلت: وصنيع الأئمة في ذلك انتقاء حديث مثل هذا الضرب من الرواة، فإذا قامت القرائن على أنه حفظ وضبط صححوا حديثه [مثلما فعل البخاري في حديثه في الانتفاع]