يتبين بهذه المقالة] إلا مجرد الجواز، والجواز لا يدل على الوقوع، إلا أن يريد القاضي: أنه حجة لمالك وأبي حنيفة على التقدير، فقريب، إلا أنه يجب التنبيه؛ لأنه لا يفيد الحكم في نفس الأمر، وأنا أقول: يحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتاده في سبيل الله: إرصاده إياه لذلك، وعدم تصرفه بها في غير ذلك، وهذا النوع حبس، وإن لم يكن تحبيساً، ولا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، ويكون قوله:«إنكم تظلمون خالداً» مصروفاً إلى قولهم: منع خالد؛ أي: تظلمونه في نسبته إلى منع الواجب، مع كونه صرف ماله في سبيل الله، ويكون المعنى: أنه لم يقصد منع الواجب، ويحمل منعه على غير ذلك.
السادس: أخذ بعضهم من هذا: وجوب زكاة التجارة، وأن خالداً طولب بأثمان الأدرع والأعتد، قالوا: ولا زكاة في هذه الأشياء، إلا أن تكون للتجارة، وقد استضعف هذا الاستدلال، من حيث إنه استدلال بأمر محتمل، غير متعين لما ادعي.
السابع: من قال بأن هذه الصدقة كانت تطوعاً ارتفع عنه هذا الإشكال، ويكون النبي ﷺ اكتفى بما حبسه خالد على هذه الجهات، عن أخذ شيء آخر من صدقة التطوع، ويكون من طلب منه شيئاً آخر - مع ما حبسه من ماله وأعتاده في سبيل الله - ظالماً له في مجرى العادة، وعلى سبيل التوسع في إطلاق اسم الظلم».
قلت: قد استظهر في أول بحثه أن ذلك كان في الصدقة الواجبة، حيث قال:«قوله: بعث عمر على الصدقة؛ الأظهر: أن المراد: على الصدقة الواجبة، وذكر بعضهم: أن تكون التطوع، احتمالاً أو قولاً، وإنما كان الظاهر أنها الواجبة لأنها المعهودة، فتصرف الألف واللام إليها، ولأن البعث إنما يكون على الصدقات المفروضة».
قلت: الأقرب من هذه الأقوال: قول من قال بأن خالداً طولب بأثمان الأدرع والأعتد، وذلك لأن خالداً إنما كان يغنم من حروبه، وقد جرت العادة أن السلب يكون من آلات الحرب والخيل ونحو ذلك مما يكون مع القتيل من الفرسان والرجالة، وقد اجتمع لخالد من هذا الشيء الكثير [انظر في ترجمة خالد: تاريخ الطبري (٤/ ٦٨)، وتاريخ دمشق (١٦/ ٢٦٦)، والكامل لابن الأثير (٢/ ٣٦٠)، والسير (١/ ٣٨٠)]؛ فلا يستبعد أنه كان يتجر بها، فلما ذهب عمر يطالبه بزكاة ما يتجر به، امتنع خالد، وذلك لكونه أرصد ذلك للجهاد، أو أوقفه في سبيل الله قبل مطالبة عمر له بالزكاة، فأعذره النبي ﷺ، وبهذا يظهر قوة هذا القول، وأنه أقوى الاحتمالات المذكورة، وعليه فإنه يستأنس بهذا الحديث في جملة ما يستدل به على زكاة عروض التجارة، والله أعلم.
وانظر أيضاً: شرح مسلم للنووي (٧/ ٥٦)، والعدة شرح العمدة لابن العطار (٢/ ٨١٨)، ورياض الأفهام للفاكهاني (٣/ ٣٢٨)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٥/ ٧٨).
لكن يبقى أن يقال بأن هذا الحديث مجمل، وليست دلالته نصية ولا ظاهرة في الدلالة على المراد؛ لا سيما ولم يستدل به أحد من كبار الحفاظ والنقاد والفقهاء على وجوب زكاة عروض التجارة، فإن الإمام أحمد لما سئل عن عروض التجارة والزكاة فيها؛