ثم له تأويلان، أحدهما: أن هذه الآلات كانت عنده للتجارة، فطلبوا منه زكاة التجارة، فأخبر النبي ﷺ أنه قد جعلها حبساً في سبيل الله، فلا زكاة عليه فيها.
وفيه دليل على وجوب زكاة التجارة، وجواز وقف المنقول.
والتأويل الثاني: أنه اعتذر لخالد، يقول: إن خالداً لما حبس أدراعه تبرعاً، وهو غير واجب عليه، فكيف يظن به أنه يمنع الزكاة الواجبة عليه؟
وقيل في تأويله: إنه احتسب له ما حبسه بما عليه من الصدقة؛ لأن أحد أصناف المستحقين للصدقة هم المجاهدون».
وقال أبو المعالي الجويني في نهاية المطلب (٣/ ١٧٣): «أما قوله: فإنه حبس أفراسه؛ أشبه المعاني: أن عمر كان يطلب منه زكاة التجارة في أفراسه وغيرها، فأوضح رسول الله ﷺ أنه حبسها في سبيل الله».
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل (٣/ ٥١٧): «فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه اعتذر لخالد، فكأنه يقول: من تبرع بما لا يجب من الوقف كيف يبخل بالواجب عليه؟ والثاني: أن يكون خالد طولب بالزكاة عن أثمان الدروع والأعبد لكونها من مال التجارة، فأخبر النبي ﷺ أنه لا زكاة عليه؛ لأن المزكى قد خرج عن يده. والثالث: أن يكون خالد قد تصدق بتلك الدروع والأعبد على المجاهدين، على وجه القيمة في الزكاة فحسبها له. والرابع: أن لفظ هذا الحديث الأول: أمر رسول الله ﷺ بصدقة، وظاهر هذا يدل على أنها تطوع، فلذلك عذره».
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (١/ ٣٨٢): «فقيل في جوابه: يجوز أن يكون ﵇ أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة؛ لأنه في سبيل الله، حكاه القاضي، … ، قال: وعلى هذا يجوز إخراج القيم في الزكاة، وقد أدخل البخاري هذا الحديث في باب أخذ العرض في الزكاة، فيدل أنه ذهب إلى هذا التأويل، وأقول: هذا لا يزيل الإشكال؛ لأن ما حبس على جهة معينة تعين صرفه إليها، واستحقه أهل تلك الجهة مضافاً إلى جهة الحبس، فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه، فكيف يمكن من ذلك مع تعين ما حبسه لمصرفه؟ وإن كان قد طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية، فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك، وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؟ [قال الفاكهاني في رياض الأفهام (٣/ ٣٢٩) تعقيباً على هذا الاعتراض: «وهذا إيراد صحيح، لا ينازع فيه منصف»؛ إلا أنه في الأخير رجح تأويل القاضي عياض].
وأما الاستدلال بذلك على أن صرف الزكاة إلى صنف من الثمانية جائز، وأن أخذ القيم جائز: فضعيف جداً؛ لأنه لو أمكن توجيه ما قيل في ذلك؛ لكان الإجزاء في المسألتين مأخوذاً على تقدير ذلك التأويل، وما ثبت على تقدير لا يلزم أن يكون واقعاً، إلا إذا ثبت وقوع ذلك التقدير، ولم يثبت ذلك بوجه، ولم يبين قائل هذه المقالة وفي الإعلام: ولم