أحدهما: أن يكون هذا اللفظ صيغة إنشاء لالتزام ما لزم العباس، ويرجحه قوله:«إنّ عم الرجل صنو أبيه»، فإن في هذه اللفظة إشعاراً بما ذكرناه، فإن كونه صنو الأب: يناسب تحمل ما عليه.
الثاني: أن يكون إخباراً عن أمر وقع ومضى، وهو تسلف صدقة عامين من العباس، وقد روي في ذلك حديث منصوص:«إنّا تعجلنا منه صدقة عامين» [واستظهر الفاكهاني في رياض الأفهام (٣/ ٣٣٣) الوجه الأول؛ لأجل مناسبة القرينة النصية].
• وقد جمع بعضهم في تأويله ثمانية أوجه:
أحدها: أني تسلفت منه صدقة عامين فصار ديناً عليّ، ثانيها: أن معناه: أنا أؤديها عنه، وقد أوجبناها عليه وضمنّاها له وتركناها عليه ديناً، ثالثها: تسلف منه النبيّ ﷺ مالاً لما احتاج إليه في السبيل، فقاصه بها عند الحول، رابعها: أنه ﷺ قبض منه صدقة العام الذي شكاه فيه العامل وتعجّل عليه صدقة عام ثان، خامسها: تحمل عنه الصدقة وأداها عنه لسنتين، ولذلك قال:«إن عم الرجل صنو أبيه»، سادسها: تبرع بزيادة على ما وجب على العباس إكراماً له، سابعها: أخّرها عنه عامين لحاجة كانت بالعباس إليها، وللإمام تأخير ذلك إذا أداه اجتهاده إليه، ثامنها: أنه عزره بتضعيف الصدقة عليه، وهذا أضعف الأقوال.
• وأشبه الأقوال عندي: أنه ﷺ كان تسلف منه صدقة عامين، لمجيء ذلك من وجه آخر، وإن كان فيه ضعف، لكنه يصلح للاستشهاد به على توجيه معنى هذا الحديث، فقد روى منصور، عن الحكم بن عتيبة، عن الحسن بن مسلم المكي، قال: بعث رسول الله ﷺ عمر بن الخطاب على الصدقات، قال: فأتى على العباس فسأله صدقة ماله، قال: فتجهمه العباس، وكان بينهما كلام، قال: فانطلق عمر إلى رسول الله ﷺ فشكا العباس إليه، قال: فقال له رسول الله ﷺ: «أما علمت يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه؟ إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس العام عام أول» [سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في باب تعجيل الزكاة، الحديث رقم (١٦٢٣)] [وانظر: مسائل ابن هانئ (٥٥٢)]، والله أعلم.
• كذلك فإن رواية ورقاء التي أخرجها مسلم، وبما اشتملت عليه من زيادة في آخرها: رواية محفوظة، بل ويحمل لفظ رواية شعيب عليها، فقد سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أبا زرعة الرازي: عن ابن أبي الزناد، وورقاء، وشعيب بن أبي حمزة، والمغيرة بن عبد الرحمن المديني، كلهم عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ؛ من أحب إليك منهم؟ قال: ورقاء أحب إليَّ من كلهم. قلت: بعده من أحب إليك؟ قال: المغيرة أحب إليَّ من ابن أبي الزناد وشعيب، قلت: فابن أبي الزناد وشعيب؟ قال: شعيب أشبه حديثاً وأصح منه [الجرح والتعديل (٢/٢٦) و (٥/ ٢٥٢) و (٩/ ٥١)].