ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فأما فيما وافق الثقات فإن اعتبر به معتبر من غير احتجاج به لم أر بذلك بأساً، كان يحيى بن معين سيئ الرأي فيه»، وذكره في الضعفاء أيضاً: العقيلي.
فيقال: قد وثقه أحد المتشددين في الرجال، فقال أبو حاتم:«ثقة»، فكيف خفيت عليه مناكيره مع قلة حديثه حتى وثقه وبلغه منزلة الثقة، والتي لا يتساهل أبو حاتم في وصف أحد بها، حتى إنه ليصف أحياناً بعض كبار الأئمة بوصف الصدوق، ورسمه في الثقات أن يقول: صدوق، فكيف بالثقة عنده، وأما ابن حبان فإنه جرحه في روايته عن التابعين كالحسن وثابت، بينما ذكره في ثقات التابعين من روايته عن أنس وغيره من الصحابة؛ لكن قال:«يخطئ»، ولما ذكره في ثقات أتباع التابعين، قال:«يخطئ ويخالف»، وهذا يدلك على أنه حمل على مروياته عن التابعين؛ يعني: أنه كان يخطئ في روايته عن الأصاغر، وقال الدارقطني:«محتج به في الصحيح»، وقال أبو نعيم في المعرفة:«وهو ممن يجمع حديثه في البصريين، ثقة»، كما أن وقوعه في بعض الأسانيد مقروناً ببعض الضعفاء، مثل: يزيد بن أبان الرقاشي، وصالح بن بشير المري، وزياد بن عبد الله النميري؛ لعله هو الذي حمل بعضهم على تضعيفه مقروناً بهم، كما وقع لابن معين، وقد توسط فيه ابن عدي حيث قال:«وميمون بن سياه هو أحد من كان يعد في زهاد البصرة، ولعل ليس له من الحديث غير ما ذكرت من المسند والزهاد لا يضبطون الأحاديث كما يجب، وأرجو أنه لا بأس به»؛ يعني: أنه قد يقع في أحاديثه الوهم؛ لاشتغاله بالعبادة والزهادة، فإذا توبع على روايته فلا غضاضة من الاحتجاج به، والله أعلم [تاريخ ابن معين للدوري (٤/ ١٠٥/ ٣٣٨٠)، والتاريخ الكبير (٧/ ٣٣٩)، وسؤالات الآجري (١١٢١)، والمعرفة والتاريخ (٢/ ١٢٧ و ٦٦٢)، وضعفاء العقيلي (٤/ ١٨٩)، والجرح والتعديل (٨/ ٢٣٣)، والثقات (٥/ ٤١٨) و (٧/ ٤٧٢)، والمجروحين (٣/٦)، والكامل (٨/ ١٥٧)(٩/ ٦٩٥ - ط الرشد)، وتاريخ أسماء الضعفاء (٦٢٨)، وسؤالات الحاكم (٤٨٩)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (١/ ٢٤٩/ ٨٥٣)، وتاريخ الإسلام (٣/ ٣٢٦ ط الغرب)، والميزان (٤/ ٢٣٣)، والتهذيب (٤/ ١٩٧)].
وبناء على ما تقدم فإن تصرف البخاري في صحيحه يدل على احتجاجه بالحديثين جميعاً، فبدأ بحديث منصور بن سعد عن ميمون بن سياه عن أنس المرفوع، ثم أعقبه بحديث ابن المبارك عن حميد عن أنس المرفوع، ثم علقه من حديث يحيى بن أيوب، والذي فيه التصريح بسماع حميد من أنس، ثم علقه من حديث خالد بن الحارث، والذي شرح كيفية تحمل هذا الحديث، حيث سأل ميمون بن سياه أنساً بحضور حميد الطويل، فكلاهما سمع الحديث من أنس، ووقف خالد بن الحارث له لا يضره؛ فإن تقصير من قصر به فأوقفه، لا يضر من حفظ فيه الرفع من الرفعاء، والله الموفق للصواب.
[وانظر تصرف البخاري في مثل ذلك؛ في الجمع بين حديثين في كل منهما علة،