لا سيما مع ما ورد فيه من تقرير عبد الله بن عمرو بكونه لا يطيع الله في سمعه وبصره، وهو المشهور بالزهد، والامتناع مما أحل الله له؛ فكيف بما حرم الله عليه، وهو الذي شغل ليله ونهاره بطاعة ربه، من قيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن، فلا يستقيم إقراره بذلك، وهو الذي قال له النبي ﷺ:«يا عبد الله بن عمرو! إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل؟»، فقال له: نعم، قال:«إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، … » [متفق على صحته. أخرجه البخاري (١٩٧٩ و ٣٤١٩)، ومسلم (١٨٧/ ١١٥٩)]، قال له ذلك من شدة اجتهاده في العبادة حتى اعتزل امرأته، وقد وصف حاله بقوله: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها، فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه، … الحديث [أخرجه البخاري (١٩٧٨ و ٥٠٥٢)] [راجع طرق حديث عبد الله بن عمرو بألفاظه ورواياته في فضل الرحيم الودود (١٣٨٨ - ١٣٩١)].
ومما يستنكر أيضا في هذا الحديث الغريب: إقرار عمر ما حدث بالكوفة مما فشا بها من أمور قبيحة، واستدلاله على إقرارهم على ما أحدثوه بالحديث المرفوع، ومن عمر؟ وما أدراك ما عمر؟! في الحزم، وأخذ النفس والرعية بالعزيمة في أمر الله تعالى، وعدم إغضاء الطرف عن محارم الله أن تنتهك، وهو من أشد الناس غيرة في ذلك، وهو الذي إذا سلك طريقا أو فجا سلك الشيطان طريقا أو فجا غيره، فهو الذي قال له النبي ﷺ:«إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط، إلا سلك فجا غير فجك» [متفق على صحته. أخرجه البخاري (٣٢٩٤ و ٣٦٨٣ و ٦٠٨٥)، ومسلم (٢٣٩٦)]. ومناقب عمر في حزمه وعزمه، وقوته في دين الله تعالى، وغيرته على محارم الله أن تنتهك، وهيبة المؤمنين له؛ كثيرة، والله أعلم.
وحاصل الاختلاف في هذا الحديث على الزهري: أن المحفوظ عنه: لو منعوني عناقا، كما رواه عنه به هكذا ثقات أصحابه: عقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومعمر بن راشد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، ويحيى بن سعيد الأنصاري [في المحفوظ عنهم]، وتابعهم [مع الاختلاف على بعضهم]: سليمان بن كثير، والنعمان بن راشد، وإبراهيم بن مرة الشامي، ومحمد بن أبي حفصة، وصالح بن أبي الأخضر.
ومع كون المحفوظ في هذا الحديث: العناق، وليس العقال؛ فقد أولى العلماء المعتنون بغريب الحديث عناية خاصة باللفظة الشاذة، وهي: العقال، وتنازعوا في تفسيرها:
• قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (٤/ ١٠٤): «قال الكسائي: العقال: صدقة عام، يقال: قد أخذ منهم عقال هذا العام: إذا أخذت منهم صدقته.
قال الأصمعي: يقال: بعث فلان على عقال بني فلان: إذا بعث على صدقاتهم.
قال أبو عبيد: فهذا كلام العرب المعروف عندهم»، ثم ساق بعض الوقائع الدالة