قلت: قد اضطرب فيه سفيان بن حسين، وخلط في إسناده ومتنه، ولم يضبطه، فمرة يصله، ومرة يرسله، ومرة يجعله من مسند عمر، ومرة يجعله من مسند أبي هريرة، وغير ذلك، وسفيان بن حسين: ثقة في غير الزهري، فإنه ليس بالقوي فيه، وفي روايته عنه بعض الوهم، وقد دخل له هنا حديث في حديث؛ فإن قصة الخصلتين المروية في آخره، لا تُعرف من حديث الزهري:
إنما تروى من حديث قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء وفد أهل الردة من أسد وغطفان يسألون أبا بكر الصلح، فخيرهم: إما حرب مجلية، وإما سلم مخزية، … الحديث.
وفي رواية: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، قال: فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية؟ قال: قال أبو بكر: تؤدون الحلقة والكراع، وتتركون أقواماً تتبعون أذناب الإبل حتى يُريَ اللهُ خليفة نبيه ﷺ والمسلمين أمراً يعذرونكم به، … الحديث بطوله، وفيه تشهدون أن قتلانا في الجنة، وأن قتلاكم في النار، وأن تدوا قتلانا، ولا ندي قتلاكم، وإن ما أصبنا منكم فهو لنا، وما أصبتم منا رددتموه إلى أهله.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (٥١٠)، وسعيد بن منصور في سننه (٢/٣٨٥ /٢٩٣٤)، وابن أبي شيبة (٦/ ٤٣٧/ ٣٢٧٣١)، وأحمد في فضائل الصحابة (٢/ ٨٩٣/ ١٦٩٨)، وفي العلل (٢/ ٣٠٤/ ٢٣٤٨)، وابن زنجويه في الأموال (٧٤٢)، والبلاذري في فتوح البلدان (١٠٠)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (٤٧٥)، والطبراني في الأوسط (٢/ ٢٧٠/ ١٩٥٣)، والبيهقي في السنن (٨/ ١٨٣ و ٣٣٥)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (١٨٢٩ و ١٨٣٠).
وقد أخرج البخاري في صحيحه (٧٢٢١) طرفاً منه، قال: حدثنا مسدد: حدثنا يحيى: عن سفيان: حدثني قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي بكر ﵁، قال لوفد بزاخة: تتبعون أذناب الإبل، حتى يُريَ الله خليفة نبيه ﷺ والمهاجرين أمراً يعذرونكم به. [التحفة (٦٥٩٨)].
وكما قد روي آخره أيضاً في الخصلتين من مرسل قتادة عند البيهقي في السنن (٨/ ١٧٨).
خالف جماعة الثقات من أصحاب الزهري:
سفيان بن عيينة [ثقة حافظ]، فرواه عن ابن شهاب؛ أن عمر بن الخطاب ﵁، قال: أليس قال رسول الله ﷺ: ﴿أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله﴾؟ قال أبو بكر: هذا من حقها لا تفرقوا بين ما جمع الله، لو منعوني عقالاً [وفي رواية: عناقاً] مما أعطوا رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه. كذا رواه الشافعي عن ابن عيينة.