الرمل في الثلاثة لم يقضه في الأربعة، لأنه هيئة في وقت، فإذا مضى ذلك الوقت لم يضعه في غير موضعه، ولم يكن عليه فدية ولا إعادة، لأنه جاء بالطواف، والطواف هو الفرض، فإن ترك الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه، وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقي منه، لأن النبي ﷺ فرق ما بين سبعه فرقين فرقاً رمل فيه، وفرقاً مشى فيه، فلا يرمل حيث مشى النبي ﷺ، وأحب إلي لو لم يمش حيث رمل النبي ﷺ.
قال الشافعي:«وترك الرمل عامداً ذاكراً وساهياً وناسياً وجاهلاً سواء؛ لا يعيد ولا يفتدي من تركه، غير أني أكرهه للعامد، ولا مكروه فيه على ساءٍ ولا جاهل، وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها، وفي كل حج وعمرة إذا كان الطواف الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة، فإن قدم حاجاً أو قارناً فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل، لأنه طاف الطواف الذي يصل بينه وبين الصفا والمروة، وإنما طوافه بعده لتحل له النساء، … »، ثم ناقش في ترك الدم لمن ترك الرمل، وإن قال قائل:«أفليس هذا عمل نفسه؟ قلت: لا، الطواف العمل، وهذا هيئة في العمل، فقد أتى بالعمل على كماله»، يعني: أن من ترك الهيئة لا يعد تاركاً للعمل، ثم عاد وتكلم عمن لا يجد فرجة للرمل لشدة الزحام، إلى أن قال:«ومتى أمكنه الرمل رمل، وأحبُّ إليَّ أن يدنو من البيت في الطواف، وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد».
وقال في موضع آخر (٣/ ٥٤١): «ثم يمضي عن يمينه، فيرمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر، ليس بينهما مشي، ويمشي أربعة، فإن كان الزحام شيئاً لا يقدر على أن يرمل؛ فكان إذا وقف لم يؤذ أحداً وقف حتى ينفرج له ما بين يديه ثم يرمل، وإن كان يؤذي أحداً في الوقوف مشى مع الناس بمشيهم، وكلما انفرجت له فرجة رمل، وأحب إليَّ لو تطرف حتى يخرج من الناس حاشية ثم يرمل، فإن ترك الرمل في طواف رمل في اثنين، وإن تركه في اثنين رمل في واحد، وإن تركه في الثلاثة لم يقض، إذا ذهب موضعه لم يقضه فيما بقي، ولا فدية عليه ولا إعادة، وسواء تركه ناسياً أو عامداً إلا أنه مسيء في تركه عامداً، وهكذا الاضطباع والاستلام، إن تركه فلا فدية ولا إعادة عليه».
ثم قال (٣/ ٥٤٥): «وليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ويمشين على هينتهنَّ، وقال أيضاً (٣/ ٤٤٨): «لا رمل على النساء، ولا سعي بين الصفا والمروة، ولا اضطباع، وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهنَّ، وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة والكبيرة، تحمل في محفّة، أو تركب دابة، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار». [وانظر: مختصر المزني (١/ ٣٦٢ - ط المدارج)].
وقال الترمذي في الجامع (٨٥٧): قال الشافعي: إذا ترك الرمل عمداً فقد أساء ولا شيء عليه، وإذا لم يرمل في الأشواط الثلاثة لم يرمل فيما بقي. وقال بعض أهل العلم: ليس على أهل مكة رمل ولا على من أحرم منها».