وروى قصة الشرب في الطواف عن الكلبي أيضا: عمر بن علي المقدمي [بصري، ثقة]، وشعيب بن خالد البجلي الرازي [ليس به بأس]:
عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح باذان مولى أم هانئ، عن المطلب بن أبي وداعة السهمي، قال: طاف رسول الله ﷺ بالبيت في يوم قائظ شديد الحر، فاستسقى رهطا من قريش، فقال:«هل عند أحد منكم شراب فيرسل إلي؟»، فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ زبيب، فلما رآها النبي ﷺ، قال:«ألا خمرته ولو بعود تعرضيه عليه؟»، فلما أدنى الإناء منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، ورد الإناء، فقال الرجل: يا رسول الله إن يكن حراما لم نشربه، واستعاد الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم فصبه على الإناء، وقال:«إذا اشتد عليكم شرابكم فاصنعوا هكذا». لفظ المقدمي [عند الدارقطني].
ولفظ شعيب [عند الدارقطني]: طاف النبي ﷺ بالبيت، وقال:«اسقوني»، فأتي بنبيذ زبيب، فشرب، فقطب، فرده، فقلت: يا نبي الله أحرام هو؟ فوالله إنه لشراب، فسكت، فأعاد عليه فسكت، فقال: يا نبي الله أحرام هو؟ فوالله إنه لشراب أهل مكة من آخرهم، فقال:«ردوه»، وأمرهم أن يصبوا عليه من الماء، فجعل يمصه، ويقول:«صب»، ثم عاد حتى أمكن شربه، وقال:«اصنعوا به هكذا».
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (١/ ٢٨٧/ ٥٨٦)، والدارقطني (٥/ ٤٧٢ و ٤٧٣/ ٤٦٩٢ و ٤٦٩٣)، والبيهقي الكبرى (٨/ ٣٠٤)، وفي الخلافيات (٧/ ١٧٩/ ٥١٢٩ - ط الروضة)، والجورقاني في الأباطيل (٢/ ٢٧٨/ ٦١٩). [الإتحاف (١٣/ ٢٠٤/ ١٦٥٨١)].
قال الدارقطني:«الكلبي متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه باذان مولى أم هانئ». وقال البيهقي في الخلافيات (٧/ ١٧٩): «فهذا إنما رواه الكلبي، والكلبي متروك، وأبو صالح باذان ضعيف، لا يحتج بخبرهما.
وروى جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة طواف النبي ﷺ ودعائه بشراب، قال: فأتي بشراب فشرب منه، ثم دعا بالماء فصبه فيه فشرب، ثم اشتد عليه، فدعا بماء فصبه فيه، ثم شرب مرتين أو ثلاثة، ثم قال: «إذا اشتد عليكم فاقتلوه بالماء». يزيد بن أبي زياد ضعيف، لا يحتج به لسوء حفظه.
وقد روى خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس قصة طواف النبي ﷺ وشربه، لم يذكر ما ذكره يزيد بن أبي زياد، وإنما تعرف هذه الزيادة من رواية الكلبي كما مضى، وزاد يزيد بن أبي زياد شربه منه قبل خلطه بالماء، وهو بخلاف سائر الروايات، وكيف يظن بالنبي ﷺ أنه يشرب المسكر - إن كان مسكرا على زعمهم - قبل أن يخلطه بالماء، فدل على أنه لا أصل له، والله أعلم».
وقال الجورقاني:«هذا حديث باطل، والكلبي وأبو صالح متروكان».