للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ليس بحيض. وقد روى هذا الخبر جماعة من رواة الموطأ، فقالوا فيه: إن عجوزاً استفتت عبد الله بن عمر، فقالت: أقبلت أريد الطواف بالبيت … الحديث. والجواب يدل على أنها ممن لا تحيض، فلذلك إنما قال: هي ركضة من الشيطان؛ يريد الاستحاضة، وذلك لا يمنع من دخول المسجد ولا من الصلاة، وكذلك أمرها بما أمرها من الطواف بالبيت، لا يحل إلا لمن تحل له الصلاة. وأما قوله: اغتسلي؛ فهو - والله أعلم - على مذهبه في الاغتسال لدخول مكة، والطواف بالبيت، وللوقوف من عشية عرفة، لا أنه اغتسال من حيض، ولا اغتسال لازم».

وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى (٢/ ٢٩٦): «وقولها: فرجعت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء … إلى آخر قولها؛ إخبار عن تكرار ذلك منها، ويحتمل أن يكون ذهاب ذلك عنها وعودته إليها مراراً كان في يوم واحد، أو أمر قريب بعضه من بعض، تلفق فيه أيام الدم بعضها إلى بعض، وتلغي ما بينها من أيام الطهر، ويحتمل أنها كانت تقيم مدة الحيض ثم ترى الطهر وقتاً أو أوقاتاً فتقبل إلى باب المسجد، فإذا دنت منه رأت الحيض. [قلت: في إيراد هذه الاحتمالات تكلف ظاهر، فإن في جواب الصحابي الفقيه دلالة ظاهرة على كون ذلك كان استحاضة، ولم يكن حيضاً متقطعاً، بل صرح ابن عمر - كما في رواية زهير بن معاوية - بأنها امرأة مستحاضة].

وقول عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان؛ يحتمل وجهين: أحدهما: أنها كانت رأت الدم في مدة يكون جميعها أكثر الحيض، وإنما معنى ذلك أنه من جملة الاستحاضة لكنه نسبه إلى الشيطان وذلك بالمنع من الطواف وعدمه إذا لم يرد الطواف.

والثاني: أن يكون ذلك في مدة أو أمد لم يبلغ الدم في آخرها إلى أن يكون أكثر أمد الحيض لكنه أمد مخالف لحيضها المعتاد فكأنه اختص بالمنع من الطواف، ولذلك نسبه إلى الشيطان ولو كان على عادتها في الحيض لما أضافه إلى الشيطان ولكان أمراً اتفق لها لم يخالف عادتها. [قلت: وفي ذلك حمل للنص المنقول عن الصحابي وإجابة السائلة، على ما استقر عند الشارح من معاني الفقه، ولم يكن ذلك استنباطاً للمعاني الواردة في النص، فإن ظاهر السؤال والجواب متجه إلى كون ذلك كان استحاضة، بدليل قوله: ركضة من الشيطان، طوفي؛ وبدليل أن ابن عمر كان لا يرى للحائض الطواف بالبيت، كما تقدم بيانه في موضعه، وقد أخرجه مالك في الموطأ، ثم إن ابن عمر قد صرح بأنها امرأة مستحاضة، كما في رواية زهير بن معاوية، والله أعلم].

قوله: فاغتسلي؛ يحتمل أن يريد به الاغتسال من الحيض على حسب ما تفعله المستحاضة، ويحتمل أن يريد غسل ما بها من الدم إن كان لم يجعل له حكم الحيض.

وقوله: ثم استثفري بثوب؛ يريد أن تتوقى به مما يجري منه ثم تطوف بعد ذلك، وقد أمنت الدم أن يصيب المسجد أو يصيب ظاهر جسدها، فتكون حاملة نجاسة».

ج - ورواه أبو خيثمة زهير بن معاوية [ثقة ثبت، مكثر عن أبي الزبير]، عن

<<  <  ج: ص:  >  >>