وقال في الروايتين والوجهين (١/ ٢٨٢): «مسألة: واختلفت إذا طاف محدثاً. فنقل أبو طالب: إن طاف محدثاً أو جنباً أعاد طوافه، وهو أصح، لأنها عبادة تفتقر إلى البيت، فكانت الطهارة فيها شرطاً كالصلاة، ونقل بكر بن محمد عن أبيه: إذا طاف بالبيت للزيارة أو الصدر وهو جنب أو على غير وضوء ناسياً أرجو أن يجزئه ويريق دماً، وإن كان بمكة أعاد الطواف، فظاهر هذا أن الطهارة غير شرط، ولكن ينوب عنها الدم لأنه ركن من أركان الحج، فلا يكون من شرط صحته الطهارة كالوقوف بعرفة، وإنما وجب عليه الدم لأن الطهارة واجبة في الطواف؛ فكان عليه الدم كترك واجب، إلا أن هذا الوجوب ليس بشرط في صحة الطواف، كما أن الرمي والمبيت بالمزدلفة واجب وليس بشرط».
• وسوف أورد مثالاً من أقوال الفقهاء لبيان ما يترتب على هذا القول من إلزام العباد بغير دليل صحيح صريح بشرطية الطهارة لصحة الطواف، وإيقاعهم في الحرج الشديد الذي جاءت الشريعة برفعه:
قال ابن قدامة في المغني (٥/ ٢٢٤): «فصل: وإذا فرغ المتمتع، ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين لا بعينه، بنى الأمر على الأشد، وهو أنه كان محدثاً في طواف العمرة، فلم يصح، ولم يحل منها، فيلزمه دم للحلق، ويكون قد أدخل الحج على العمرة، فيصير قارناً، ويجزئه الطواف للحج عن النسكين، ولو قدرناه من الحج لزمه إعادة الطواف، ويلزمه إعادة السعي على التقديرين؛ لأنه وجد بعد طواف غير معتد به. وإن كان وطئ بعد حله من العمرة، حكمنا بأنه أدخل حجاً على عمرة فاسدة ولا تصح، ويلغو ما فعله من أفعال الحج، ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة، وعليه دم للحلق، ودم للوطء في عمرته، ولا يحصل له حج ولا عمرة. ولو قدرناه من الحج، لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي، ويحصل له الحج والعمرة».
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/ ٤٦٢): «فالجواب: أن القول باشتراط طهارة الحدث للطواف لم يدل عليه نص ولا إجماع، بل فيه النزاع قديماً وحديثاً؛ فأبو حنيفة وأصحابه لا يشترطون ذلك، وكذلك الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه»، ثم ذكر بعض الروايات السابق ذكرها عن أحمد، ثم قال: «وقد ظن بعض أصحابه أن هذا الخلاف عنه إنما هو في المحدث والجنب، فأما الحائض فلا يصح طوافها قولاً واحداً. قال شيخنا ﵁: وليس كذلك، بل صرح غير واحد من أصحابنا بأن الخلاف عنه في الحيض والجنابة. قال: وكلام أحمد يدل على ذلك، ويبين أنه كان متوقفاً في طواف الحائض وفي طواف الجنب، قال عبد الملك الميموني في مسائله: قلت لأحمد: من طاف طواف الواجب على غير وضوء وهو ناس ثم واقع أهله، قال: أخبرك، مسألة فيها وهم وهم مختلفون، وذكر قول عطاء والحسن، قلت: ما تقول أنت؟ قال: دَعْها، أو كلمة تُشبهها.
وقال الميموني في مسائله أيضاً: قلت له: من سعى وطاف على غير طهارة ثم واقع أهله، فقال لي: مسألة الناس فيها مختلفون، وذكر قول ابن عمر، وما يقول عطاء مما يسهل