فيها، وما يقول الحسن، وأن عائشة قال لها النبي ﷺ حين حاضت:«افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت»، ثم قال لي: إلا أن هذا أمر بُلِيَتْ به، نزل عليها ليس من قبلها، قلت: فمن الناس من يقول عليها الحج من قابل، فقال لي: نعم كذا أكبر علمي، قلت: ومنهم من يذهب إلى أن عليها دماً، فذكر تسهيل عطاء فيها خاصة، قال لي أبو عبد الله أولاً وآخراً: هي مسألة مشتبهة فيها موضع نظر، فدعني حتى أنظر فيها. قال ذلك غير مرة. ومن الناس من يقول: وإن رجع إلى بلده يرجع حتى يطوف. قلت: والنسيان؟ قال: النسيان أهون حكماً بكثير. يريد: أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمداً. هذا لفظ الميموني.
قلت: وأشار أحمد إلى تسهيل عطاء إلى فتواه: أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف فإنها تُتِمُّ طوافها. وهذا تصريح منه أن الطهارة ليست شرطاً في صحة الطواف، وقد قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء، قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين، فحاضت في الطواف، فأتمَّتْ بها عائشة بقية طوافها هذا. والناس إنما تلقوا منع الحائض من الطواف من حديث عائشة، وقد دلت أحكام الشريعة على أن الحائض أولى بالعذر وتحصيل مصلحة العبادة التي تفوتها إذا تركتها مع الحيض من الجنب، ولهذا إذا حاضت في صوم شهري التتابع لم ينقطع تتابعها بالاتفاق، وكذلك تقضي المناسك كلها من أولها إلى آخرها مع الحيض بلا كراهة بالاتفاق سوى الطواف؛ وكذلك تشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة، بالنص، وكذلك تقرأ القرآن إما مطلقاً وإما عند خوف النسيان؛ وإذا حاضت وهي معتكفة لم يبطل اعتكافها، بل تتمه في رحبة المسجد.
وسر المسألة ما أشار إليه صاحب الشرع بقوله:«إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم»، وكذلك قال الإمام أحمد:«هذا أمر بليت به نزل عليها، ليس من قبلها». والشريعة قد فرقت بينها وبين الجنب كما ذكرناه؛ فهي أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة ناسياً أو ذاكراً؛ فإذا كان فيه النزاع المذكور فهي أحق بالجواز منه؛ فإن الجنب يمكنه الطهارة وهي لا يمكنها، فعذرها بالعجز والضرورة أولى من عذره بالنسيان، فإن الناسي لما أمر به من الطهارة والصلاة يؤمر بفعله إذا ذكره، بخلاف العاجز عن الشرط والركن فإنه لا يؤمر بإعادة العبادة معه إذا قدر عليه؛ فهذه إذا لم يمكنها إلا الطواف على غير طهارة وجب عليها ما تقدر عليه وسقط عنها ما تعجز عنه، كما قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وقال النبي ﷺ:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وهذه لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت الله ما استطاعت؛ فليس عليها غير ذلك بالنص وقواعد الشريعة. والمطلق يقيد بدون هذا بكثير.
ونصوص أحمد وغيره من العلماء صريحة في أن الطواف ليس كالصلاة في اشتراط الطهارة، وقد ذكرنا نصه في رواية محمد بن الحكم: إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس