والحاصل ممّا تقدّم: أنّ هذا القول إنّما يثبت من قول ابن عبّاس موقوفاً عليه.
لكن قبل النّظر في معناه، أود لفت الانتباه إلى ألفاظ الرّواية، وأنّها ما سيقت لهذا المعنى الّذي ذهب إليه جماعة من الفقهاء من اشتراط الطّهارة للطّواف، وإنّما غاية النّصّ الموقوف سواء على ابن عبّاس من قوله وفعله، أو ابن عمر من فعله: أنّ المراد الإقلال من الكلام في الطّواف؛ لذا وقع التّشبيه له بالصّلاة:
• عطاء بن السّائب، عن طاووس، عن ابن عبّاس قال: الطّواف بالبيت صلاة، ولكن الله تعالى أحلّ فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلّا بخير.
• سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: كنت أطوف مع طاووس، فقال لي: ألم أقل لك؟ قلت: لا أدري والله، قال: ألم أقل لك: إنّ ابن عبّاس قال: إذا طفت بالبيت فأقلل فيه الكلام، فإنه صلاة.
• ابن جريج، وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عبّاس، قال: الطّواف بالبيت صلاة، فأقلّوا به الكلام.
• عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: الطّواف بالبيت صلاة، فأقلّوا الكلام فيه.
• قيس بن سعد، عن طاووس، عن ابن عبّاس قال: أقلّوا الكلام في الطّواف؛ فإنه صلاة.
• الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن رجل أدرك رسول الله ﷺ؛ أنّه قال: إنّما الطّواف صلاة، فإذا طفتم فأقلّوا الكلام.
• حنظلة بن أبي سفيان، قال: سمعت طاووساً، يقول: سمعت عبد الله بن عمر ﵄، يقول: أقلّوا الكلام في الطّواف، فإنّما أنتم في صلاة.
• ابن جريج، عن عطاء، قال: طفت وراء ابن عمر وابن عبّاس، فلم أسمع واحداً منهم يتكلّم في الطّواف.
• قال ابن تيمية في المجموع (٢١/ ٢٧٤): «وهو يُروى موقوفاً ومرفوعاً، وأهل المعرفة بالحديث لا يصحّحونه إلا موقوفاً، ويجعلونه من كلام ابن عبّاس، لا يثبتون رفعه، وبكل حال فلا حجة فيه، لأنه ليس المراد به أن الطّواف نوع من الصّلاة، كصلاة العيد والجنائز، ولا أنه مثل الصّلاة مطلقاً، فإن الطّواف يباح فيه الكلام بالنصّ والإجماع، ولا تسليم فيه، ولا يبطله الضّحك والقهقهة، ولا تجب فيه القراءة باتفاق المسلمين، … ».
قلت: والصّلاة يجب فيها القيام والوقوف بخلاف الطّواف فالأصل فيه المشي وإن جاز الرّكوب، ويجب في الصّلاة استقبال الكعبة بخلاف الطّواف فتكون الكعبة عن يساره، والصّلاة يبطلها الأكل والشّرب بخلاف الطّواف فلا يبطل بذلك، ولا يجوز قطع الصّلاة بعمل أجنبي عنها ثم البناء على الموضع الّذي قطع منه بخلاف الطّواف فإنه يجوز قطعه بعمل أجنبي عنه كحضور الصّلاة المكتوبة ثم البناء على الموضع الّذي قطع منه، ويشترط