في تلك الحجة بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة راكباً، وإنما لم نقطع على أن الطواف الأول بالبيت هو الذي طافه ﵇ راكباً؛ لأنه ﵇ قد طاف بالبيت في تلك الحجة مراراً، منها طوافه الأول وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، فالله أعلم أي تلك الأطواف كان راكباً؟».
[قلت: طوافه ﷺ بين الصفا والمروة راكباً قد صح في عمرة القضية، كما في حديث ابن عباس، ويأتي تحريره تحت الحديث رقم (١٨٨٤) إن شاء الله تعالى].
وقال أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (٢/٢٥): «مسألة: إذا طاف راكباً لغير عذر لم يجزئه في إحدى الروايتين: نص عليه في وراية محمد بن أبي حرب الجرجرائي: وقد سئل عن الرجل يطوف حول البيت على بعيره، وهو صحيح، فقال: لا، إنما طاف رسول الله ﷺ لكي يراه الناس. وكذلك قال في رواية حنبل: ولا يطوف راكباً، إنما طاف النبي ﷺ لكي يراه الناس وكذلك قال في رواية أبي الحارث: وقد سأله عن من طاف بالبيت محمولاً من غير علة ولا مرض، فقال: الذي سمعنا أن يكون مريضاً، فإذا كان صحيحاً فما سمعت فيه شيئاً ما أدري. وظاهر هذا الكلام منع الإجزاء.
وفيه رواية أخرى: يجزئه، ولا دم عليه. ذكره أبو بكر النجاد في كتاب المناسك، فقال: قال أبو عبد الله: أكره أن يطوف راكباً من غير عذر، وإن طاف رجوت أن يجزئه، فإذا اشتكى طاف محمولاً لم يرمل به الذين يحملونه. وقال في رواية محمد بن منصور الطوسي في الرد على أبي حنيفة: طاف رسول الله ﷺ على بعيره. وقال هو: إذا حمل عليه، فعليه دم.
وهو اختيار شيخنا أبي عبد الله، وأبي بكر بن عبد العزيز، ذكره في كتاب زاد المسافر، فقال: إذا طاف راكباً أجزأه ذلك، ولم يوجب عليه دم. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: إذا طاف لغير عذر راكباً كره له ذلك، وقيل له: أعد، فإن لم يعد أجزأه، وعليه دم. [وانظر أيضاً: التعليقة (٢/٣١). الروايتين والوجهين (١/ ٢٨٣)].
• وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٩٤)(٢/ ٩٧ - ط الفرقان): «ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر: أني لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحد أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلة راكباً، ولو كان طوافه راكباً لغير عذر لكان ذلك مستحباً عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم، وقد روينا عن عائشة وعروة بن الزبير كراهية أن يطوف أحد بين الصفا والمروة راكباً، وهو قول جماعة الفقهاء، فأما مالك فلا أحفظ له فيه نصاً؛ إلا أنه قال: من طاف بالبيت محمولاً أو راكباً من غير عذر لم يجزه وأعاد، وكذلك السعي بين الصفا والمروة عندي في قوله، بل السعي أوكد ماشياً؛ لما ورد فيه من اشتداد رسول الله ﷺ في سعيه ماشياً على قدميه. وقال مالك: أنه إن سعى أحد حاملاً صبياً بين الصفا والمروة أجزأه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك. وقال: في الطائف بالبيت محمولاً إن رجع إلى بلاده؛ كان عليه أن يهريق دماً. وقال الليث بن سعد: