للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الأصول بالفروع فذلك هو الجهل الأكبر، ولا خلاف بين الجميع في أن العود لمن طاف راكباً بالبيت الطواف الواجب ثم انصرف إلى بلده من الكوفة أو البصرة غير واجب عليه، فذلك أصل مجمع عليه، وفي إيجاب من أوجب عليه العود لقضاء ذلك خروج منه من قول جميعهم، وترك منه لأصله، لأن من قوله: أنه إذا لم يعلم خلافاً في مسألة تكلم فيها أهل العلم أن حجتها قد لزمت من انتهت إليه، فيقال له: من القائل قولك في ذلك، فاستجزت فيه خلاف من خالفت فيه؟ فإنه لا يقدر على ما يصدق ادعاءه على أحد ممن يقتدى به من أهل القدوة».

ثم قال الطبري (٧٥) - بعد أن ذكر قول من أجاز الطواف بالبيت راكباً لغير عذر -: «وعلة قائلي هذه المقالة: تظاهر الأخبار عن رسول الله أنه طاف بالبيت راكباً، قالوا: ولم يأتنا عنه خبر أنه قال: إنما طفت لأني عليل، أو لعجزي عن الطواف على قدمي ماشياً، قالوا: وإذ كان ذلك كذلك، فالطواف راكباً بالبيت والصفا والمروة جائز من عذر وغير عذر، قالوا: فإن قال لنا قائل: فإن النبي إنما طاف راكباً لوجع كان به، أو لمرض كان مرضه، قيل: لم يجمع على أن ركوبه كان من أجل الوجع، وذلك أن بعضهم قال: إنما فعل ذلك ليُشرف على الناس فيروه ويسألوه، وقال بعضهم: إنما فعل ذلك ليسمع الناس كلامه ولا يدفعوا عنه، قالوا: فإذ كان السبب الذي من أجله ركب في طوافه بالبيت مختلفاً فيه، وكان ركوبه فيه مجمعاً عليه من غير بيان منه سبب ذلك، كان لنا العمل بما صح عندنا أنه عمل به بنقل الجميع، وإلغاء السبب الذي ادعوا أنه من أجله ركب في طوافه، إذ لم يكن عنه رواية بإبانته السبب في ذلك».

ثم قال (٧٦): وقال آخرون: يكره الطواف من غير عذر، وإن طاف راكباً من عذر، فإنا نستحب إن قدر على قضائه أن يقضيه.

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك في المريض يطاف به محمولاً ثم يفيق: إني لأحب أن يعيد ذلك الطواف.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: صح عن رسول الله أنه طاف راكباً على بعيره، ولم ينقل عنه ناقل أنه قال - إذ طاف كذلك -: إنما طفت كذلك لعجزي عن الطواف على قدمي، ولا أنه قال: إنما طفت راكباً ليسمع كلامي الناس، ولا ليراني الناس، ولا أنه ذكر أنه طاف كذلك لسبب أخبر به أمته، وإنما ذكر سبب طوافه راكباً بعض أصحابه من قبل نفسه، من غير رواية منه ذلك عنه ، على اختلاف منهم في السبب الذي من أجله ركب، وقد يجوز للمريض في حال مرضه فعل ما كان له فعله في حال صحته، وغير مستنكر لو كان صحيحاً عن رسول الله أنه كان في حال طوافه راكباً شاكياً، أن يكون ذلك كان من الأفعال التي هي للصحيح وللمريض، ففعله في حال المرض، كما كان فعله في حال الصحة، كما أنه لو صلى وهو مريض قائماً، لم يكن قيامه في صلاته في حال المرض دليلاً على أن القيام فيها على الصحيح محظور، فكذلك طوافه

<<  <  ج: ص:  >  >>