راكبا في حال المرض لو صح أنه كذلك؛ كان في حال طوافه راكبا غير دليل [كذا، يعني: غير دال] على أنه غير جائز الطواف راكبا للصحيح، وأن ذلك إنما هو مخصوص به المريض، إذ لم يكن عن رسول الله ﷺ بالنهي عن الطواف راكبا لطائف صحيح الجسم أثر وارد من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الممتنع منها السهو والخطأ والكذب، وكان السلف في جوازه مختلفين. فإن قال قائل: إن طوافه في حال مرضه راكبا دون غيرها من الأحوال، هو الدليل على أنه غير جائز لأحد من الناس الطواف كذلك وهو صحيح، قيل: ذلك لو كان منه ﷺ تقدم إلى أمته بالنهي عن الطواف راكبا في حال الصحة، أو إخبار منه عن أن من طاف راكبا فغير مجزئه طواف، فأما ولا نهي منه عن ذلك، ولا خبر عنه بأن ذلك عن الصحيح غير مجزئ، فغير جائز دليلا على ما ذكرت. ويقال لجميع من أنكر الطواف بالبيت للصحيح راكبا: ما برهانكم على أنه غير جائز ذلك للصحيح، وأنه للسقيم خاصة دون الصحيح؟ أخبر بذلك عن رسول الله ﷺ رويتم؟ أم إجماع عن الأمة عليه عندكم؟ أم ذلك قياس على أصل منكم؟ فإن ادعوا بذلك عن رسول الله ﷺ خبرا، كلفوا تثبيته، ولا خبر، وإن ادعوا إجماعا، كلفوا تصحيحه، ولا إجماع، وإن ادعوا قياسا، قيل لهم: وما الأصل الذي عليه قستم؟ فإن زعموا أنهم قاسوه على الصلاة المفروضة أنها لا يجزئ مطيقا أداءها قائما، أداؤها قاعدا، فكذلك الطواف لا يجزئ مطيقا أداءه مشيا على قدميه، أداؤه راكبا، قيل لهم: أبعدتم التشبيه، وأخطأتم التمثيل، وذلك أن الصلاة مجمع على أن الفرض على كل مكلف عملها في حال القدرة على أدائها قائما، القيام فيها، إذا لم يكن له حال تعذر بالقعود فيها، والطواف مشيا على القدمين لمن أطاقه، غير مجمع على وجوبه عليه، فيمثل بالقيام في الصلاة المفروضة والقعود فيها، وإنما كان جائزا قياس الطواف راكبا لمن أطاق الطواف مشيا على القدمين بالصلاة قاعدا لمن أطاق القيام فيها، لو كان مجمعا على أن الفرض على الطائف الطواف مشيا على القدمين، كما الفرض على المصلي فريضة القيام فيها إذا كان للقيام مطيقا، فأما وهما مختلفا الحال، بأن أحدهما مجمع على وجوبه بهيئة، والآخر مختلف في وجوبه بهيئة، وسؤال السائل إياكم البرهان على وجوبه بالهيئة التي ادعيتم وجوبه بها، فإجابتكم إياه بأن أحدهما لما كان غير مجزئ أداؤه عامله إلا بالمعنى الذي كلف أداءه، به وجب أن يكون الآخر وهو المختلف فيه في وجوبه بالمعنى الذي تدعون وجوبه به مثله قياسا، قياس وتمثيل منكوس، وسؤال السائل عليكم واقف، فما برهانكم على ما سألتكم من وجوب الطواف على الصحيح مشيا على القدمين؟ وما قلتم في رمي الجمار راكبا، والوقوف بعرفة والمشعر كذلك؟ فإن أنكروا ذلك، خرجوا من حد المناظرة، وخالفوا جميع الأمة، وإن قالوا: ذلك جائز، قيل لهم: وما الذي أجاز ذلك للراكب الصحيح الجسم، القادر على الوقوف على قدميه والرمي راجلا، وحظر الطواف راكبا على غير السقيم والعليل؟ أخبر عن رسول الله ﷺ رويتم بحظر ما حظرتم من ذلك على من حظرتموه عليه؟ أم إجماع من الأمة؟ أم قياس