كتاب فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود

٥ - كتاب المناسك - ٤٨ - باب استلام الأركان - ج: 30 - ص: 216

الكبير (٥/ ١٤٣) في ترجمة عبد الله بن عبيد بأنه قد سمع أباه، لمجيء التصريح بسماعه من أبيه في بعض الأسانيد، وقد توسط في ذلك ابن معين، فقال ابن محرز في سؤالاته (١/ ١٣٠/ ٦٥٧): «وسمعت يحيى وسئل عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قيل له: سمع من أبيه؟ فقال: قالوا: إن عبد الله بن عبيد بن عمير: لم يسمع من أبيه في بعض حديثه» [وانظر: تحفة التحصيل (١٨١)].

قلت: هنا لا يقال بأن المثبت مقدم على النافي، لكون السماع الوارد في بعض الأسانيد لا يعتمد عليه إلا إذا جاءنا من طرق صحيحة برواية الثقات الذين يعتمد عليهم، والبخاري عادة ما يحكي السماع الوارد في الأسانيد، وإن كان هناك ما يعارضه، أو كانت الأسانيد إليه لا تثبت، ولعل ابن معين اعتمد بعض السماعات التي لا تثبت، كمثل السماع الوارد من رواية هشيم عن عطاء بن السائب، وإنما حدث به عطاء بعد الاختلاط؛ فلا يعتمد عليه.

وابن جريج مكي بلدي لعبد الله بن عبيد، فهو أعلم به من غيره، ثم إنه أقرب زمانا له من ابن معين، ومن البخاري، ثم إنه أحد تلاميذه الذين يروون عنه، فهو بلديه المعاصر له، وقد سمع منه، فهو أعلم بشيخه ممن لم يدركوه، ولذلك فإن قول ابن جريج بنفي السماع أشبه عندي بالصواب، من السماع المثبت في بعض الأسانيد مما لا تقوم به الحجة.

ثم لو كان هذا الحديث مشتهرا عن عبد الله بن عبيد؛ فلماذا لم يروه عنه ابن جريج؟! وقد روى ابن جريج: أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هي؟ قال: نعم، قال: قلت: آكلها؟ قال: نعم، قال: قلت: أقاله رسول الله ﷺ؟ قال: نعم. [وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه في المجلد التاسع والعشرين، تحت الحديث رقم (١٨٦١)].

وقد صح عن عبد الله بن عبيد أنه يروي عن ثابت البناني عن أنس، ولم يدرك الفضل بن العباس، ولا عائشة [راجع الجزء السابع والعشرين، ما قبل الحديث رقم (١٨١٦)]، ويروي عن جابر بواسطة: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار المكي.

ولا يعرف له سماع من ابن عمر، ورواية حماد بن زيد التي معنا: ظاهرها الإرسال، ولم يثبت له البخاري في التاريخ سماعا من ابن عمر، واكتفى بقوله: «عن ابن عمر» [التاريخ الكبير (٥/ ١٤٣) (٦/ ١٧٧ - ط الناشر المتميز). الكنى لمسلم (٣٥٢٧)]، وقول ابن جريج: «مات عبيد بن عمير قبل ابن عمر»، ليستدل به على عدم سماع عبد الله بن عبيد من أبيه، فيه إشارة لكون عبد الله بن عبيد لم يسمع من ابن عمر، كأنه يقول: إذا كان عبد الله بن عبيد لم يسمع من ابن عمر، فعدم سماعه من أبيه أولى لكونه أقدم وفاة من ابن عمر.

وعليه: فلو رجحنا رواية القدماء: لكان الحديث منقطعا، حيث لا يعرف سماع