ينفي عنه ظن من يظن أن تعظيم النبي ﷺ الحجر وأمته، إنما كان على حسب تعظيم الجاهلية الأوثان لاعتقادهم أنها آلهة، وأنها تضر وتنفع، فأراد عمر أن يعلم الناس أن تعظيمه للحجر إنما كان لتعظيم النبي ﷺ طاعة لله، وإفراداً له بالعبادة، على حسب ما أمرنا بتعظيم البيت، وعلى حسب ما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم عبادة لله؛ لا على أن آدم معبود بذلك، وأنه يضر وينفع، فقال: إني لأعلم أنك حجر، يريد: من سائر أجناس الحجارة التي لا تقبل، وفي بعض الروايات أنه قال: لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع».
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل (٣/ ٤٢٠): «مسألة: وسأله ابن وهب، فقال: إن بعض الصحابة كان يقبل الحجر ويسجد عليه، وإن أهل مكة ينكرون ذلك؟ فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وقال: الذي سمعناه القبلة.
قال محمد بن رشد: قد روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، ولم يصح ذلك عند مالك، فأنكره ورآه بدعة، إذ لو كان من السنة ومما فيه قربة لاتصل به العمل، وعرف ذلك واشتهر، وذهب ابن حبيب إلى ما روي من ذلك عنهما، وقال: ما أرى كراهية مالك لذلك إلا في الفتوى خيفة أن يرى واجباً، فلا بأس به للرجل في خاصة نفسه، والأول من قوليه أظهر».
وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ٢٢٦) في تقبيل الركن اليماني: «قال الخرقي: ويقبله، والصحيح عن أحمد: أنه لا يقبله. وهو قول أكثر أهل العلم. وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلمه. قال ابن عبد البر: جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني، والركن الأسود، لا يختلفون في شيء من ذلك، وإنما الذي فرقوا به بينهما التقبيل، فرأوا تقبيل الأسود، ولم يروا تقبيل اليماني، وأما استلامهما فأمر مجمع عليه. قال: وقد روى مجاهد، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله ﷺ إذا استلم الركن قبله، ووضع خده الأيمن عليه. قال: وهذا لا يصح، وإنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وحده. وقد روى ابن عمر: أن رسول الله ﷺ كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني. وقال ابن عمر: ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر، منذ رأيت رسول الله ﷺ يستلمهما في شدة ولا رخاء. رواهما مسلم.
ولأن الركن اليماني مبني على قواعد إبراهيم ﵇، فسن استلامه، كالذي فيه الحجر. وأما تقبيله فلم يصح عن النبي ﷺ؛ فلا يُسَنَّ».
ثم قال (٥/ ٢٢٧): ويستلم الركنين الأسود واليماني في كل طوافه؛ لأن ابن عمر قال: كان رسول الله ﷺ لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه. قال نافع: وكان ابن عمر يفعله. رواه أبو داود. وإن لم يتمكن من تقبيل الحجر استلمه وقبل يده.
وممن رأى تقبيل اليد عند استلامه ابن عمر، وجابر، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وفعله أصحاب النبي ﷺ وتبعهم أهل العلم على ذلك، فلا يعتد بمن خالفهم. [قلت: وقد ثبت فيه حديث ابن عمر عند مسلم].