وإن كان في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر به، استلمه وقبله؛ لما روي عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن. رواه مسلم. [قلت: إنما رواه مسلم في التقبيل من حديث أبي الطفيل، وأما حديث ابن عباس فهو متفق عليه، بدون ذكر التقبيل].
فإن لم يمكنه استلامه، أشار إليه وكبر؛ لما روى البخاري بإسناده عن ابن عباس، قال: طاف النبي ﷺ على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه، وكبر».
وقال النووي في شرح مسلم (٩/١٥): قوله: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله ﷺ يفعله؛ فيه استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود إذا عجز عن تقبيل الحجر، وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر، وإلا فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها، وهذا الذي ذكرناه من استحباب تقبيل اليد بعد الاستلام للعاجز هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال القاسم بن محمد التابعي المشهور: لا يستحب التقبيل، وبه قال مالك في أحد قوليه، والله أعلم، ثم ذكر فوائد حديث عمر في التقبيل.
وقال في المجموع (٨/٣١): «وإنما قال عمر ﵁: إنك حجر، وإنك لا تضر ولا تنفع؛ ليسمع الناس هذا الكلام ويشيع بينهم، وقد كان عهد كثير منهم قريبا بعبادة الأحجار وتعظيمها واعتقاد ضرها ونفعها، فخاف أن يغتر بعضهم بذلك فقال ما قال، والله أعلم».
[ونقله ابن حجر عن الطبري في الفتح (٣/ ٤٦٢)].
ولما ذكر ابن تيمية في شرح العمدة (٥/ ١٧٥) ما قيل في تقبيل الركن اليماني، ختم بقوله:«والأول أصح يعني: الاستلام بغير تقبيل؛ لأن الذين وصفوا حج رسول الله ﷺ وعمره ذكروا أنه كان يستلم الحجر ويقبله، وأنه كان يستلم الركن اليماني، ولم يذكروا تقبيلا، ولو قبله لنقلوه، كما نقلوه في الركن الأسود، لا سيما مع قوة اعتنائهم بضبط ذلك، وهذا ابن عمر أتبع الناس لما فعله رسول الله ﷺ في حجته لم يذكر إلا الاستلام».
• وانظر أيضا: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب المالكي (٢/ ١٢٠). الحاوي للماوردي (٤/ ١٣٤ - ١٣٧). التجريد للقدوري (٤/ ١٨٤٨). التعليقة الكبيرة لأبي يعلى الفراء (١/ ٤٩٨). بحر المذهب للروياني (٣/ ٤٧١). الإفصاح لابن هبيرة (١/ ١٤٩).
إكمال المعلم (٤/ ٣٤٥). بدائع الصنائع (٢/ ١٤٧). شرح مسلم للنووي (٩/١٦).
المجموع شرح المهذب (٨/٣١ - ٣٥ و ٥٧). ملء العيبة لابن رشيد (١٢٢). شرح العمدة لابن تيمية (٥/ ١٥٣ - ١٧٥). الفروع لابن مفلح (٦/٣٣). التوضيح لابن الملقن (١١/ ٣٨٦). الفتح لابن حجر (٣/ ٤٦٢ و ٤٧٣)