يا فضل! اذهب إلى أمك، فأت رسول الله ﷺ بشراب من عندها، فقال: «اسقني»، قال: يا رسول الله! إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: «اسقني»، فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: «اعملوا، فإنكم على عمل صالح»، ثم قال: «لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه»، يعني: عاتقه، وأشار إلى عاتقه. [التحفة (٤/ ٥٦٢/ ٦٠٥٧). المسند المصنف (١٢/ ٢٩٢/ ٥٩٢٠)].
• ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه (١٣١٦)، قال: حدثني محمد بن المنهال الضرير: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة، فأتاه أعرابي، فقال: ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن، وأنتم تسقون النبيذ، أمن حاجة بكم، أم من بخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله، ما بنا من حاجة ولا بخل، قدم النبي ﷺ على راحلته، وخلفه أسامة، فاستسقى، فأتيناه بإناء من نبيذ، فشرب، وسقى فضله أسامة، وقال: «أحسنتم وأجملتم، كذا فاصنعوا»، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله ﷺ.
وقد رواه أبو داود (٢٠٢١)، من وجه آخر عن حميد به، ويأتي تخريجه في موضعه إن شاء الله تعالى. [التحفة (٤/ ٢٦٥/ ٥٣٧٣). المسند المصنف (١٢/ ٢٨٩/ ٥٩١٦)].
• وخالفهم فأرسله: إسماعيل بن علية [ثقة ثبت]، فقال: أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة؛ أن النبي ﷺ طاف بالبيت على بعير، فكان إذا أتى على الحجر الأسود أشار إليه.
أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ٥٣١/ ١٣٦٠٩ - ط الشثري)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (١/ ٥٥/ ٥٧ - مسند ابن عباس). [المسند المصنف (١٢/ ٢١٥/ ٥٨٤٨)].
• قلت: يستفاد من رواية ابن علية أمور:
• الأول: أن الثقة الثبت قد يقصر بالإسناد الموصول، فيرسله، وكان ذلك يقع كثيرا لأهل البصرة احتياطا.
• الثاني: أنه قد تابع الجماعة في متنه ممن رواه عن خالد الحذاء؛ فلم يذكر التقبيل؛ فدل ذلك على شذوذ رواية يزيد بن زريع.
• الثالث: أن رواية من قصر بإسناده فأرسله، لا تقدح في رواية من حفظه وضبطه ووصله، ولذا أخرج البخاري في صحيحه رواية من وصله.
قال ابن جرير في تهذيبه: «وقد حدث هذا الحديث عن عكرمة غير خالد الحذاء، فوافق في روايته ذلك عنه من وصله».
وكان قال قبل ذلك (١/ ٥٦): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح، لعلل: إحداها: أنه خبر قد حدث به عن خالد عن عكرمة غير من ذكرت فأرسله، ولم يجعل بين عكرمة والنبي ﷺ: ابن عباس. والثانية: أنه من رواية عكرمة، وقد ذكرت قولهم في عكرمة فيما مضى من كتابنا هذا. والثالثة: أن راويه عن عكرمة: خالد، وكان شعبة يغمص عليه».