وقال في طبقات المدلسين (٥٨): «وهذا شيء قاله الإمام أحمد بن حنبل ظناً، والذي عندي أن شعبة لم يدلسه؛ بل كان يسأل عمرو بن دينار فحدثه بهذا، ثم لقي أبا قزعة فسأله عنه، فحدثه به، والدليل على ذلك: أنه صرح بسماعه منه لهذا الحديث، فيما رواه أبو داود في السنن، … ، وكيف يُظن بشعبة التدليس وهو القائل: لأن أخر من السماء أحب إليَّ من أن أقول: عن فلان، ولم أسمعه منه. وهو القائل: لأن أزني أحب إليَّ من أن أدلس».
• قلت: في صحة هذه الرواية عن أحمد بن حنبل نظر، فأين أحمد بن محمد بن الأصفر - على ما قيل فيه [وقد تقدمت ترجمته قريباً]، وهو صاحب غرائب، ولم يكن من أصحاب أحمد، ولم يترجم له في طبقات الحنابلة - أين هو من صاحب أحمد المكثر عنه: إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، وقد خدم أحمد وهو ابن تسع سنين، وكان له اختصاص بأحمد، وأقام أحمد عند أبيه مدة اختفائه [تاريخ بغداد (٧/ ٤٠٤)]. طبقات الحنابلة (١/ ٢٥٢ و ١٠٥/ ٢٨٤ و ١٢١). المنتظم (١٢/ ٢٦٧). السير (١٣/١٩). تاريخ الإسلام [(٦/ ٥١٢)]، وقد نقل ابن هانئ عن أحمد إنكاره لحديث مسكين بن بكير عن شعبة، وقال بأنه ليس بشيء، فكيف يحكم بروايته بعد ذلك على سماع شعبة الثابت في رواية غندر والطيالسي وغيرهما من أصحاب شعبة؟! ويتهمه بسبب ذلك بالتدليس، ثم إن أحمد هو الذي طعن في رواية مسكين عن شعبة، بقوله:«من أين كان يضبط هو عن شعبة؟»، وبقوله:«حدث عن شعبة بأحاديث لم يروها أحد»، والله أعلم.
• ورواه مسلم بن إبراهيم [الفراهيدي: ثقة ثبت]: حدثنا قزعة [قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري: ليس بالقوي]: حدثني أبي سويد بن حجير: حدثنا المهاجر بن عكرمة، قال: سألنا جابر بن عبد الله عن الرجل يقضي صلاته وطوافه، ثم يخرج من المسجد فيستقبل البيت؟ فقال: ما كنت أرى يفعل هذا إلا اليهود. هكذا موقوفاً.
قال ابن خزيمة:«باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها، والدليل على أن جابر بن عبد الله إنما أراد بقوله: لم يكن يفعل هذا، أي: لم نكن نرفع أيدينا عند الخروج من المسجد بعد الفراغ من الطواف والصلاة، ولم نكن نستقبل البيت فنرفع أيدينا بعد ذلك، لا أنا لم نكن نرفع أيدينا عند رؤية البيت أول ما نراه»، ثم ساقه.
• قلت: هكذا اختلف شعبة وقزعة في لفظ هذا الحديث، فظاهر حديث شعبة في نفي كون الصحابة كانوا يرفعون أيديهم عند رؤية البيت، وظاهر حديث قزعة في نفي استقبال البيت عند الوداع والخروج من المسجد الحرام.
• وراويه عن جابر هو: المهاجر بن عكرمة المخزومي: سمع جابراً، وروى عن عبد الله بن أبي بكر، والزهري، وروى عنه: يحيى بن أبي كثير، وأبو قزعة سويد بن