وقد روينا عن ابن جريج، عن النبي ﷺ: أنه كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال فذكر الدعاء الذي ذكرنا. ورواه سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول، عن النبي ﷺ مرسلا. وروى سفيان، عن حبيب، عن طاووس، قال: لما رأى النبي ﷺ البيت رفع يديه، فوقع زمام ناقته، فأخذه بشماله، ورفع يده اليمنى.
فهذه المراسيل انضمت إلى حديث مقسم فوكدته، وليس في حديث جابر، عن النبي ﷺ نفي ما أثبتوه من فعل النبي ﷺ، ولا نفي ما أثبت في رواية مقسم من قوله؛ إنما في حديث جابر نفي فعله وفعل رفاقه، ولو صرح جابر بأنه لم ير رسول الله ﷺ يفعل ذلك، وأثبته غيره، كان القول قول المثبت، وإن كان إسناد حديثه دون إسناد حديث جابر حتى ما اجتمع فيه شرائط القبول.
وحديث ابن عباس وابن عمر برواية ابن أبي ليلى؛ اجتمع فيه شرائط القبول عند بعض ممن يدعي الجمع بين الآثار، فهو يحتج به وبأمثاله، ونحن لا نحتج بما ينفرد به لسوء حفظه، لكن حديثه هذا صار مؤكدا بانضمام ما ذكرنا من الشواهد إليه؛ فهو إذا حسن كما قال الشافعي ﵀، وليس فيه كراهية، والله أعلم».
وذكره عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ٢٩٤)، فتعقبه ابن القطان في بيان الوهم (٤/ ٢٨٥)، وقال بأن مهاجر بن عكرمة المخزومي: لا يعرف حاله، ثم قال:«وهناك رجل آخر يقال له: مهاجر المكي، وهو ابن القبطية، وهو ثقة، يروي عن أم سلمة، وليس بهذا». وحسن إسناده النووي في المجموع (٨/٩).
وقال ابن حجر في النكت (٢/ ٦٢٨) فيما يتعلق بنسبة التدليس إلى شعبة: «قال القاضي أبو الفرج المعافى النهرواني في كتاب الجليس والأنيس له، في المجلس الثالث والخمسين منه: كان شعبة ينكر التدليس، ويقول فيه ما يتجاوز الحد، مع كثرة روايته عن المدلسين، ومشاهدته من كان مدلسا من الأعلام، كالأعمش والثوري وغيرهما، إلى أن قال: ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليسا في عدة أحاديث رواها، وجمعنا ذلك في موضع آخر. انتهى. وما زلت متعجبا من هذه الحكاية، شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك، ولا أزداد إلا استغرابا لها واستبعادا، إلى أن رأيت في فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد الله بن منده، … »، فأسنده ثم قال:«قال الأصفر: ألقيته على أحمد بن حنبل؛ فاستعادني، فأعدته عليه؛ فقال: ما كنت أظن أن شعبة يدلس؛ حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها. يعني: ليس فيه عمرو بن دينار.
قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظن، وإلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث؛ لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم وجدته في السنن لأبي داود، عن يحيى بن معين، عن غندر، عن شعبة، قال: سمعت أبا قزعة … فذكره، فثبت أنه ما دلسه، والظاهر: الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل، وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيرا عنه».