للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣]، هو الذي قال: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾. وهو الذي أمر رسوله أن يحل ويرجع قبل أن يطوف بالبيت في عمرته التي صُدَّ فيها عن البيت، ولا يحل ضرب أوامره بعضها ببعض، وأما القول: ببعثه هدياً يحل به، فقول لا يؤيده قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، والصحابة قد اختلفوا في ذلك كما أوردنا.

فإن قيل: فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهُدَى مَحِلَّهُ﴾. قلنا: نعم، وليس هذا في المحصر وحده، بل هو حكم كل من ساق هدياً في حج أو عمرة على عموم الآية: فالحاج والقارن إذا كان يوم النحر فقد بلغ الهدي محله من الزمان والمكان بمكة أو بمنى، فله أن يحلق رأسه. والمعتمر إذا أتم طوافه وسعيه فقد بلغ هديه محله من الزمان والمكان بمكة فله أن يحلق رأسه. والمحصر إذا صُدَّ فقد بلغ هديه محله فله أن يحلق رأسه إن كان مع هؤلاء هدي، ولم يقل الله ﷿ قط: إن المحصر لا يحل حتى يبلغ هديه مكة، بل هو الكذب على الله تعالى ممن نسبه إليه؛ فظهر خطأ هذه الأقاويل.

وأما قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في الإحصار، فلا يحفظ قول منها بتمامه وتقسيمه عن أحد من الصحابة أصلاً. فوجب الرجوع عند التنازع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه، إذ يقول ل: ﴿فَإِنْ تَنَاَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩]. فوجدنا حكم الإحصار يرجع إلى قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾، فكان في هذه الآية عموم إيجاب الهدي على كل من أحصر بأي وجه أحصر. وإلى فعل رسول الله إذ صده المشركون عن البيت فنحر وحلق هو وأصحابه وحلوا بالحديبية. وإلى أمره من حج أن يقول: «اللهم إن محلي حيث حبستني»، وقد ذكرناه قبل، ثم احتج بحديث الباب عن الحجاج بن عمرو، ثم قال: «فهذه النصوص تنتظم كل ما قلنا، والحمد لله رب العالمين.

فإن قيل: ففي هذا الخبر أن عليه حجة أخرى، وليس فيه ذكر هدي؟ قلنا: إن القرآن جاء بإيجاب الهدي، فهو زائد على ما في هذا الخبر، وليس في هذا الخبر ذكر لإسقاط الهدي ولا لإيجابه، فوجب إضافة ما زاده القرآن إليه، وقد قدمنا أن النبي أخبر بأن اللازم للناس حجة واحدة؛ فكان هذا الخبر محمولاً على من لم يحج قط، وبهذا تتألف الأخبار.

فإن قيل: إن ابن عباس قد روي عنه خلاف ما روي من هذا؟ قلنا: الحجة إنما هي فيما روى، لا في رأيه وقد ينسى أو يتأول؛ وأيضاً فإن التوهين بما روى لما روي عنه مما يخالف ما روى أولى من توهين ما روى بما روي عنه من خلافه لما روى، لأن الطاعة علينا إنما هي لما روى لا لما رأى برأيه. وأيضاً فلو صح عن ابن عباس خلاف ما روي لكان الحجاج وأبو هريرة قد روياه ولم يخالفاه.

وقال أبو حنيفة: لا ينحر هدي الإحصار إلا في الحرم، واحتج بأن ناجية بن كعب نهض بالهدي يوم الحديبية في شعاب وأودية حتى نحره في الحرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>