يحل من شيء من ذلك، فهذا الحديث أهل العلم جميعاً على خلافه! فكان جوابنا له في ذلك: أن هذا الحديث ليس أهل العلم جميعاً على خلافه كما ذكر، إذ كان أهل العلم في الإحصار الذي له حكم الإحصار المذكور في كتاب الله تعالى على مذهبين، وأحدهما: أن ذلك الإحصار هو بكل حابس يحبس على النفوذ إلى البيت، وممن كان يذهب إلى ذلك منهم: ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، … ، فهذا أحد المذهبين، والمذهب الآخر: أن ذلك الإحصار لا يكون إلا بالعدو خاصة، ثم أهل العلم من بعد فطائفة منهم على المذهب الأول منهم: أبو حنيفة، والثوري، وسائر فقهاء الكوفة، وطائفة على المذهب الثاني، منهم: مالك، والشافعي، وسائر فقهاء الحجاز، فكان فيما ذكرنا أن الحديث الذي رويناه في أول هذا الباب ليس كما ذكر هذا القائل من خلاف العلماء جميعاً إياه، فقال هذا القائل: فما معنى الكلام الذي فيه: فقد حل؟ وهم جميعاً لا يقولون: يحل؛ إلا لمعنى باللغة بعد ذلك مما قد ذكرته في هذا الباب، فكان جوابنا له في ذلك: أن ذلك الكلام كلام عربي صحيح، وإنما المعنى فيه عندنا - والله أعلم - أي: فقد حل له أن يحل بما يحل به، مما هو فيه من الإحرام، … ، ليس ذلك على أنه قد حل حلاً خرج به من حرمه، ولكنه سبب حل له به أن يفعل فعلاً يخرج به من حرمه». [وانظر أيضاً: أحكام القرآن (٢/ ٢٥٠)].
وقال الطحاوي في أحكام القرآن (٢/ ٢٥٠): «ففي حديث رسول الله ﷺ هذا في الحصر بالكسر والعُرج، وأنهما واجبان الحل للمحرم بالحج، ما يدل على مذهب عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس في الحصر بالمرض، أنه كالحصر بالعدو سواء، وهكذا كان أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، … ، وأما مالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، فكانا يذهبان إلى أن الإحصار الذي يوجب الحل للمحرم هو الإحصار بالعدو خاصة، لا ما سواه من الأمراض وغيرها.
والقياس عندنا في هذا الباب ما حكيناه عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وذلك أنا رأيناهم أجمعوا أن إحصار العدو يجب به للمحصر الإحلال كما يحل المحصر، واختلفوا في المرض كما قد ذكرنا، فوجدنا الرجل إذا كان يطيق القيام كان فرضه أن يصلي قائماً، فإن كان يخاف إن قام أن يعاينه العدو فيقتله، أو كان قائماً على رأسه فمنعه من القيام، فكل قد أجمع أنه قد حل له أن يصلي قاعداً، وأنه قد سقط عنه فرض القيام، وأجمعوا أنه لو أصابه مرض أو زمانة فمنعه ذلك من القيام، أنه قد سقط عنه فرض القيام، وحل له أن يصلي قاعداً، فكان ما أبيح له في صلاته بالضرورة من العدو أبيح له في صلاته بالضرورة في المرض، ورأينا الرجل إذا حال العدو بينه وبين الماء في سفره سقط عنه فرض الماء وتيمم وصلى، وكذلك لو كانت به علة يضرها الماء سقط عنه فرض التوضؤ بالماء وتيمم وصلى، فكانت هذه الأشياء المعذور فيها بالعدو والأمراض في سقوط الفروض في الصلوات سواء، فالقياس على ذلك أن يكون كذلك في حرمة الحج.