استدلالا بأن النبي ﷺ أمر كعب بن عجرة بالفدية لما حلق، وهذا على مذهب مالك، والكوفي، والشافعي».
وقال في موضع آخر (٣/ ٣٨٦): «واختلفوا في المكي يلبي بالحج، ثم يحصر بمكة، فكان الشافعي، وأبو ثور يقولان: حكمه كحكم الغريب يطوف ويسعى ويحل.
وقال مالك: إذا بقي محصورا حتى يفرغ الناس من حجهم يخرج إلى الحل فيلبي من الحل ويفعل ما يفعل المعتمر ويحل، وعليه الحج من قابل، والهدي مع الحج قابلا، وقال: في الغريب يقدم فيحصر بها مثل هذا. وقال الأوزاعي: إذا حبس بمكة بمرض، طاف وسعى وحل بعمرة، وعليه الحج من قابل. وقال أحمد: يحل بعمرة يجدد الطواف. وقال الزهري: في إحصار من أحصر من أهل مكة لا بد له من أن يقف بعرفة وإن نعش نعشا [يعني: وإن حمل على نعش]. وقال ابن الحسن: لا يكون محصرا بمكة. وقال عطاء: في المكي يحصر حتى يفرغ الناس من حجهم، تصير عمرة حين فاته الحج، فإذا طاف حل ويذبح لما سمي من الحج ثم فاته. قال أبو بكر: قال الله ﵎: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ الآية، والكتاب على العموم ليس لأحد أن يخص قوما دون قوم».
وقال في الإقناع (١/ ٢٣٥): «قال الله ﷿ ذكره: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾.
فإذا أحصر المرء المحرم بعدو فله أن يحل ويرجع، يقدم الذبح قبل الحلق، ثم يحلق أو يقصر، وليس عليه قضاء إلا أن لا يكون حجه حجة الإسلام فيحجها. كان ابن عباس يقول: لا حصر إلا حصر العدو. وبمعناه قال ابن عمر، ومالك، والشافعي، ومن فاته الحج فليطف ويسعى ويحلق أو يقصر، وعليه حج قابل والهدي في قول عمر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وقد قال بذلك عامة العلماء، وقال ابن عباس: ليس عليه حج قابل».
وقال الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ٢٤٩): «فذهب قوم إلى أن المحرم بالحج أو بالعمرة إذا كسر أو عرج فقد حل حينئذ، فعليه قضاء ما حل منه، إن كانت حجة فحجة، وإن كانت عمرة فعمرة، واحتجوا في ذلك، بهذا الحديث [يعني: حديث الحجاج].
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا يحل حتى ينحر عنه الهدي، فإذا نحر عنه الهدي حل»، ثم ذكر بعض أدلة الباب، ثم قال:«وليس فيما رويناه أول خلاف لهذا عندنا، لأن قول رسول الله ﷺ: «من كسر أو عرج فقد حل»، فقد يحتمل أن يكون: فقد حل له أن يحل، لا على أنه قد حل بذلك من إحرامه، … ، فلما كان هذا الحديث قد احتمل ما ذكرنا، وجاء عن رسول الله ﷺ في حديث عروة عن المسور ما قد وصفنا؛ ثبت بذلك هذا التأويل».
وقال الطحاوي في شرح المشكل (٢/ ٧٧): «فقال قائل: كيف تقبلون هذا عن رسول الله ﷺ؟ ومن كسر أو عرج لا يخلو من أحد وجهين: أن يكون محصرا بذلك، أو غير محصر به، فإن كان محصرا به فحكم المحصر هو كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾، إلى قوله ﴿أَوْ نُسُك﴾، وإن كان بذلك غير محصر بقي على حرمه ولم