للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم قال: «وعِلَّةُ من قال بهذه المقالة أن الإحصار معناه في كلام العرب: منع العِلَّةِ من المرض وأشباهه غير القهر والغلبة من قاهر أو غالب، إلا غلبة عِلَّةِ من مرض أو لَدْغ أو جراح، أو ذهاب نفقة، أو كسر راحلة. فأما منع العدو، وحبس حابس في سجن، وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان أو إنسان قاهر مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب حَصْراً لا إحصاراً … ... »

ثم قال: «وقال آخرون: معنى قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾: فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت، أو حابس قاهر من بني آدم. قالوا: فأما العلل العارضة في الأبدان؛ كالمرض والجراح وما أشبهها، فإن ذلك غير داخل في قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾، ثم أسند من قال بذلك عن ابن عباس، وحكى قول مالك من الموطأ.

ثم قال: «وعِلَّةُ من قال هذه المقالة - أعني من قال قول مالك - أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله وأصحابه عن البيت، فأمر الله ﷿ ثناؤه نبيه ومن معه بنحر هداياهم والإحلال. قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو، فلا يجوز أن يُصرَفَ حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه. قالوا: وأما المريض فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة، فإنما هو رجل فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج، وليس من معنى المحصر الذي نزلت هذه الآية في شأنه.

وأولى التأويلين بالصواب في قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾: تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت، أي: صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة؛ فلذلك قيل: ﴿أُحْصِرْتُمْ﴾، … ... إلى أن قال: وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعاً من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت، فهو نظير له في الحكم».

وقال ابن جرير في التفسير (٣/ ٣٧٤): وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال: إن الله عنى بقوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾: كل محصر في كل إحرام، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج، وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه، وجعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله، وتأول بالمحل المنحر أو المذبح، وذلك حين حل نحره أو ذبحه، في حرم كان أو في حل، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلاً، وذلك لتواتر الأخبار عن رسول الله أنه صُدَّ عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده، ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله ولا أحداً من أصحابه أقام على إحرامه انتظاراً للوصول إلى البيت، والإحلال بالطواف به، والسعي بين الصفا والمروة، ولا على وصول هديه إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>