للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المرض ما لا يقدر معه على الانطلاق إلى مكة صار كالذي حصره العدو، وإنما ينبغي أن يقاس على ما صنع رسول الله ، ولا ينزل أرأيتم رجلاً أحصر بكسر فيرى كسره ذلك على أمر يعلم أنه لا يقدر على إتيان مكة على حال من الحالات، أيبقى محرماً حتى يموت؟ أرأيتم إن أدخله مرضه ذلك في حال الكبر حتى بلغ من كبره أن صار لا يستطيع أن يحمل إلى مكة في محمل ولا غيره، أيكون هذا حراماً حتى يموت؟ فهذا إن شاء الله أعذر من الذي يحبسه العدو، لأن العدو إن حبسه اليوم لم يحبسه الأبد، وهذا قد جاوز حال أنه لا يقدر فيها على المضي إلى الكعبة أبداً، وكيف يحل بالطواف وهو لا يقدر عليه؟ وهل كلف الله نفساً إلا وسعها؟ مع آثار كثيرة قد جاءت في هذا».

• قلت: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإن أطاق أن يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعمرة فعل، سواء بقي في مكانه، أم رجع إلى بلده حتى يبرأ، فيكون قد أخذ بقول الجمهور من الصحابة، وإن لم يقدر ولم يطق أخذ بقول ابن مسعود وغيره: أنه يبعث إلى مكة بالهدي فإذا نُحر حل، وعليه القضاء، والله أعلم.

• وقال الشافعي في الأم (٣/ ٣٩٧): «ولو ثبت حديث عروة عن النبي في الاستثناء لم أعده إلى غيره؛ لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله ، وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفاً غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان، وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذي حبس فيه بلا هدي ولا كفارة غيره، وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه، إلا أن يكون لم يحج حجة الإسلام فيحجها».

قلت: قد ثبت حديث الاشتراط، وتعددت طرقه، واشتهر شهرة واسعة، وأخرجه الشيخان، وقال بالاشتراط من كبار الصحابة: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن مسعود، وقد صححه واحتج به من الأئمة النقاد جمع كبير، منهم: البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، والطحاوي، وأبو جعفر النحاس، واحتج به أحمد ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو داود والنسائي، وابن المنذر، والطحاوي، والبيهقي.

وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ١٨٧): «ثبت أن رسول الله قال لضباعة بنت الزبير: «حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني». وممن روينا عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وهو مذهب: عبيدة السلماني والأسود بن يزيد، وعلقمة، وشريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وعطاء بن يسار، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر. وكان ابن عمر يكره الاشتراط في الحج، وأنكر ذلك طاووس، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والنعمان. قال أبو بكر بالقول الأول أقول».

<<  <  ج: ص:  >  >>