وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في المعونة (٥٩٠): «ومن أُحصر بعدو فله التحلل، وينحر هدياً إن كان معه، وينصرف، ولا هدي عليه سواءً كان حاجاً أو معتمراً، في الحرم وغيره، لأن النبي ﷺ فعل ذلك يوم الحديبية تحلل ونحر وانصرف. ولا هدي عليه لأجل تحلله، … ، ولا قضاء عليه لما تحلل منه، خلافاً لأبي حنيفة؛ لأنه ممنوع عن الوصول إلى فعل المناسك بيد غالبة، فلم يلزمه قضاء، … ، ولا يلزم عليه للضرورة؛ لأن ما يلزمه ليس بقضاء، بل هو الواجب عليه في الأصل، ولأنه ﷺ تحلل هو وأصحابه، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء، ولا روي عنهم أنهم قضوا. [وانظر أيضاً: الإشراف (١/ ٥٠٤). عيون المسائل (٢٩٠)].
وقال ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٤٥٨): «وقال أبو حنيفة: الهدي واجب عليه أن ينحره في الحرم وقد حل، واحتجوا بإيجاب الهدي عليه بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ الآية، فأجابهم الكوفيون أن هذا إحصار مرض، ولو كان إحصار عدو لم يكن في نحر أهل الحديبية حجة؛ لأن ما كان معهم من الهدي لم يكونوا ساقوه لما عرض لهم من حصر العدو؛ لأن الرسول ﷺ لم يعلم حين قلده أنه يُصد، وإنما ساقه تطوعاً، فلما صُدَّ أخبر الله تعالى عن صدهم وحبسهم الهدي عن بلوغ محله، وكيف يجوز أن ينوب هدي قد ساقه ﵇ قبل أن يُصَدَّ عن دم وجب بالصد، ولم يأمرهم بدم لحصرهم، قاله جابر بن عبد الله، ولو وجب عليهم الهدي لأمرهم به كما أمرهم بالحلق الذي وجب عليهم، فكيف ينقل الحلق ولا ينقل إيجاب الهدي، وهو يحتاج إلى بيان من معه هدي ما حكمه؟ ومن لا هدي معه ما حكمه؟».
• فإن قيل: فما تقول في حديث ابن عباس هذا: قد أحصر رسول الله ﷺ، فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً قابلاً.
فيقال: إنما يحكي ما وقع منه ﷺ لما أحصر في الحديبية، وأنه تحلل فحلق ونحر، وأما عمرة القضية فإنما كانت لمقاضاته قريشاً أن يعتمر من قابل، لا أن الله أوجب عليه عمرة مكان التي أحصر عنها، ولا أمر بها أصحابه، بل تخلف بعضهم عن عمرة القضية، كما سبق بيانه، والله أعلم.
• كذلك: فإن في تصرف البخاري في اقتطاع هذا الطرف دون بقية الحديث وأوله، والذي رواه عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو، فيه إشارة لإعلال البخاري لحديث الحجاج بن عمرو، وأنه لا يرى صحته، وكان يمكن البخاري - على عادته - أن يخرج الحديث بتمامه دون اختصار، لكنه عمد إلى حذف حديث الحجاج، وفيه إشارة إلى كون الاختصار الذي وقع في رواية حجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة، أنه قال:«فحدثت به أبا هريرة وابن عباس، فقالا: صدق»، كان اختصاراً مخلاً، لأن تصديق ابن عباس على حديث الحجاج لم يكن في إحصار المريض، وإنما كان في حكاية ما وقع من النبي ﷺ في قصة الحديبية حين صده المشركون عن العمرة، حتى نحر هديه وحلق وحل