للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(٣/ ١٢٢)، وفي الفتح (٤/١١)، قال ابن حجر في التغليق: «قال إسحاق بن راهويه في تفسيره: حدثنا روح، فذكره».

وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، رجاله ثقات مشاهير.

قلت: ففي أثر ابن عباس هذا ما يخالف ما رواه أبو حاضر من إيجاب البدل في الهدي، عند قضاء النسك من قابل.

وعليه: فإن الثابت عن ابن عباس: أن من أحصر بعدو فإنه يحل ولا يرجع، فإن كان معه هدي نحره، يعني: وإن لم يكن معه هدي ولم يتيسر له فلا شيء عليه، فلم يوجب عليه ابن عباس: لا القضاء، ولا الهدي لأجل الإحصار، ولا البدل من الهدي مع القضاء.

ومما تقدم ذكره هناك من طرق حديث جابر:

ما رواه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: نحر رسول الله عام الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، وكنا يومئذ ألفاً وأربعمائة، ومن لم يضح يومئذ أكثر مما ضحى.

وفي رواية: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، كل بدنة عن سبعة، وكان الناس يومئذ ألفاً وأربعمائة، وأكثرنا لم يذبح. وفي أخرى: وأكثرنا لم ينحر. [وهو حديث صحيح].

• وفي حديث جابر هذا: أن النبي أشرك بعض الصحابة في الهدي، دون جميعهم، فإذا ضربنا سبعين بدنة في سبعة، كان الناتج: أربعمائة وتسعين، وعليه فإن من لم يهد من الصحابة كان عددهم يقرب من تسعمائة، فكان من لم يهد أكثر ممن أهدى، وهذه الرواية ترد دعوى من ادعى أن النبي أشرك جميع أهل الحديبية في الهدي الذي ساقه، والله أعلم.

وعلى هذا فإن أكثر أهل الحديبية لم يذبح هدياً للتحلل من العمرة، وإنما حلقوا وتحللوا، ففيه دليل على عدم وجوب الهدي على المحصر إذا تعذر عليه الهدي، ولم ينقل أنهم أمروا بالهدي عند الإحصار، ولا بالقضاء، فكيف يقال بعد ذلك بالبدل على من أهدى عام الحديبية، وكان هديه إشراكاً من النبي له، وتفضلاً عليه، فالقول بأن النبي أمرهم بالبدل في عمرة القضاء، يكون قد أوجب عليهم شيئاً، لم يوجبه الله عليهم، حيث إن أكثرهم لم يهد، وهذا قول يحتاج إثباته إلى دليل قوي، يحتمل هذه المعارضات، وحديث أبي حاضر عن ابن عباس لا يقوى على معارضة ما تقدم ذكره، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

• ثم إن عامة الأئمة لم يقولوا بموجبه [ومما نقلت هناك من أقوالهم]:

قال مالك في الموطأ (١/ ٤٨٣): «من حبس بعدو، فحال بينه وبين البيت، فإنه يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء».

قال مالك: «أنه بلغه أن رسول الله حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي،

<<  <  ج: ص:  >  >>