قال أبو عبد الله: وأما حصر العدو فليس فيه شك، لأن النبي ﷺ صد عن البيت، فنحر الهدي وحل، وأما حبس المريض؛ فقال فيه الكوفيون: يبعث بالهدي ويجعل بينه وبينه يوما، فإذا كان ذلك اليوم حل، إلا أن مجاهدا قال: تلوم بعد ذلك يوما أو يومين. ومن ذهب إلى قول الكوفيين قال هذا، ومن ذهب إلى حديث الحجاج فقد حل الساعة».
قلت: في كلام أحمد فوائد منها أنه لم يذهب كعادته إلى إعمال حديث الحجاج على ظاهره، ولم يقل: هذا له وجه، وهذا له وجه، ولم يقس حبس المرض على حبس العدو، ولكن أحمد يرى تعارضا بين حديث ضباعة في الاشتراط، وبين حديث الحجاج، فإنه إذا اشترط يحل لساعته ولا يلزمه دم ولا قضاء، ولو كان له أن يتحلل بالمرض لم يكن للشرط فائدة، وأما حديث الحجاج هذا، فإنه يقتضي أنه يحل بالمرض لساعته ولا يلزمه دم، لكن يلزمه القضاء، واعترض عليه كذلك باختلاف ألفاظ ناقليه، واختلافهم أيضا على يحيى في إسناده، واختلاف أقوال الفقهاء في القول بموجبه، والحاصل: فإن أحمد لم يذهب إلى القول بحديث الحجاج هذا، لما يعارضه من الأدلة.
• وقال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (١١٧٢): «قلت: أيما أقوى في المذهب: لا حصر إلا حصر العدو، وقول ابن مسعود: «اجعلوا بينكم وبينهم يوم أمار»؟
قال: أذهب أنه لا حصر إلا حصر العدو، وحديث النبي ﷺ، حديث ابن عمر: أصنع كما صنع رسول الله ﷺ، يعني: أن النبي ﷺ لما منعه المشركون ذبح وحلق ورجع. وقال: ابن عمر لا يختلف عنه، وابن عباس يختلف عنه، يعني: في الحصر».
وهنا قارن أحمد بين المذهبين مذهب من قال: لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، والذي قال به ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وبين مذهب ابن مسعود: أنه يحل إذا بعث بالهدي وجعل بينه وبين نحر الهدي يوم أمارة، ثم عليه القضاء، فرجح أحمد مذهب الجماعة، ولم يعمل بقول ابن مسعود، كما لم يعمل بظاهر حديث الحجاج بن عمرو.
ونقل ابن قدامة وغيره عن أحمد رواية أخرى، قال فيها بقول ابن مسعود، فكأنه احتج فيها بحديث الحجاج هذا.
وقال أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (٢٠٠) و (٢٠١): «سألت أحمد بن حنبل، عن حديث يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن عبد الله بن رافع، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي ﷺ: «من كسر أو عرج»؟ قال:«فجزأ مثلها ثم هو حل»؟ [وفي المطبوع تحريف]
قال: من رواه؟ قلت: معاوية بن سلام، قال: ثقة، من روى عنه؟ قلت: الوحاظي، فسكت. ورأيت معاوية يعجبه فيما روى عن يحيى بن أبي كثير وزيد بن سلام، وقال لي: وقد رواه حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير - وكان الحجاج ثقة -، عن عكرمة، قال: أخبرني الحجاج بن عمرو.