هي صيد، ولكن لا يؤكل. وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله سئل عن الثعلب، فقال: الثعلب سبع؛ فقد نصَّ على أنه سَبع، وأنه يُفدَى في الإحرام. ولما جعل النبي ﷺ في الضبع كبشاً ظنّ جابر أنه يؤكل، فأفتى به. والذين صححوا الحديث جعلوه مخصصاً لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما، حتى قالوا: ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع إلا الضبع. وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص مثلاً على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما. وبحمد الله إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك، أعني: شريعة التنزيل، لا شريعة التأويل.
ومن تأمل ألفاظه ﷺ الكريمة تبين له اندفاع هذا السؤال، فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين أن يكون له ناب، وأن يكون من السباع العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين، وهو كونها ذات ناب، وليست من السباع العادية. ولا ريب أن السّباع أخص من ذوات الأنياب. والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تُورث المغتذي بها شبهها؛ فإن الغاذي شبيه بالمغتذى. ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم. ولا تُعَدُّ الضبع من السباع لغة ولا عرفاً. والله أعلم.
وقال في موضع آخر (٥/ ٤٢٠): «وإن صح حديث جابر في إباحة الضبع، فإن في القلب منه شيئاً، كأن هذا الحديث يدل على ترك أكله تقذراً أو تنزهاً. والله أعلم».
قلت: قد سبق الرد على كل ما أورده ابن القيم، ويلخص ذلك ما قاله ابن حزم:«ولكن الذي نهى عن السباع هو الذي أحل الضباع».
ومن أقوال الفقهاء في الضب:
قال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٢٣٩): «قال عمر بن الخطاب فيه جدي قد جمع الماء والشجر، وبه قال الشافعي. وقال جابر بن عبد الله، وعطاء: فيه شاة. وقال مجاهد: حفنة من طعام. وقال قتادة: فيه صاع من تمر. وقال مالك: فيه قيمته من الطعام، وهو مخير إن شاء صام، وإن شاء أطعم. وقال أبو ثور: فيه جزاؤه من النعم. وقال النعمان: فيه قيمته. وقال يعقوب، ومحمد: يجزئ للآثار التي جاءت في ذلك».
وقال في الإقناع (١/ ٢١٦): «وفي الضب، قولان: أحدهما أن عليه فيه جدياً، هذا قول عمر، وقال مجاهد عليه حفنة من طعام».
وذكر ابن حزم الاختلاف في المحلى (٥/ ٢٥٢)، وضعف الأقوال كلها، وأخذ بقول عمر، وقال:«وبقول عمر: يقول الشافعي وأبو سليمان، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن وأحمد، وغيرهم».
وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ٤٠٤): وفى الضب جدي، قضى به عمر وأربد، وبه قال الشافعى. وعن أحمد فيه شاة؛ لأن جابر بن عبد الله، وعطاء قالا فيه ذلك. وقال