للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال ابن حزم في المحلى (٦/ ٧٢): «فأما احتجاجهم بنهي النبي عن السباع فإنه حق، ولكن الذي نهى عن السباع هو الذي أحل الضباع؛ فلا فرق بين إباحة ما حرم من السباع، وبين تحريم ما حلل من الضباع، وكلاهما لا تحل مخالفته».

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ٤٣٩ - ط عطاءات العلم): «وأما قوله: وحرم كل ذي ناب من السباع، وأباح الضبع ولها ناب، فلا ريب أنه حرم كل ذي ناب من السباع، وإن كان بعض العلماء خفي عليه تحريمه، فقال بمبلغ علمه، وأما الضبع فروي عنه فيها حديث صححه كثير من أهل العلم بالحديث، فذهبوا إليه، وجعلوه مخصصاً لعموم أحاديث التحريم، كما خُصَّت العرايا لأحاديث المزابنة، وطائفة لم تصححه، وحرموا الضبع لأنها من جملة ذات الأنياب قالوا: وقد تواترت الآثار عن النبي بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي ثعلبة الخُشَني. قالوا: وأما حديث الضبع، فتفرد به عبد الرحمن بن أبي عمارة، وأحاديث تحريم ذوات الأنياب كلها تخالفه. قالوا: ولفظ الحديث يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي ، وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيداً فقط، ولا يلزم من كونها صيداً جواز أكلها، فظن جابرٌ أن كونها صيداً يدل على أكلها، فأفتى به من قوله، ورفع إلى النبي ما سمعه من كونها صيداً. ونحن نذكر لفظ الحديث ليتبين ما ذكرناه، فروى الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن عبد الرحمن بن أبي عمار؛ أنه قال: قلت لجابر بن عبد الله: أكل الضبع؟ قال: نعم، قلت: أصيد هي؟ قال: نعم، قلت: أسمعت ذلك من رسول الله ؟ قال: نعم. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح. وهذا يحتمل أن المرفوع منه هو كونها صيداً. ويدل على ذلك أن جرير بن حازم قال: عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي عمار، عن جابر، عن رسول الله أنه سئل عن الضبع، فقال: «هي صيد، وفيها كبش». قالوا: وكذلك حديث إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن جابر يرفعه: «الضبع صيد، فإذا أصابه المحرم ففيه جزاء كبش مُسن، ويؤكل». قال الحاكم: حديث صحيح. وقوله: ويؤكل؛ يحتمل الوقف والرفع، وإذا احتمل ذلك لم تعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تبلغ مبلغ التواتر في التحريم. قالوا: ولو كان حديث جابر صريحاً في الإباحة لكان فرداً، وأحاديث تحريم ذوات الأنياب مستفيضة متعددة، ادعى الطحاوي وغيره تواترها، فلا يقدَّم حديث جابر عليها. قالوا: والضبع من أخبث الحيوان وأشرَهِه، وهو مغرى بأكل لحوم الناس ونبش قبور الأموات وإخراجهم وأكلهم، ويأكل الجيف، ويكسر بنابه. قالوا: والله سبحانه قد حرَّم علينا الخبائث، وحرم رسول الله ذوات الأنياب والضبع لا يخرج عن هذا وهذا. وقالوا: وغاية حديث جابر يدل على أنها صيد يُفدَى في الإحرام، ولا يلزم من ذلك أكلها. وقد قال بكر بن محمد: سئل أبو عبد الله - يعني: الإمام أحمد - عن مُحْرِم قتل ثعلباً، فقال: عليه الجزاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>