كما الصيد، ولا فرق، والطحاوي نفسه ممن يكثر من الاحتجاج بالأحاديث الشاذة والمنكرة نصرة لمذهبه، وقد سبق أن نبهت في المجلد الثامن والعشرين في أحاديث نكاح المحرم، تحت الحديث رقم (١٨٤٣) على تناقض الأحناف وعدم اضطراد أصولهم وقواعدهم، ومما قلت هناك: ومن العجائب: أن الأحناف قد جهدوا في إثبات الإرسال في حديث ميمونة، وحديث أبي رافع؛ لكي يردوا بذلك الأحاديث الدالة على تحريم نكاح المحرم، وهم من أكثر الناس احتجاجاً بالمرسل، وهذا تناقض منهم، في الاحتجاج بالمرسل إذا وافق مذهب إمامهم، وترك الاحتجاج به إذا خالف مذهب إمامهم، وقال ابن حزم في الإعراب عن الحيرة والالتباس (١/ ٣٥٢) فاضحاً طريقة الحنفية في عدم اضطراد أصولهم وقواعدهم: «وإعلانهم في جميع كتبهم بأن المرسل كالمسند، أشهر من أن يخفى على من عرف شيئاً من مذاهبهم، ففضحنا تمويههم بذلك، وأنهم لا يلتفتون إلى مسند، ولا مرسل، ولا نص قرآن، ولا قول صاحب، ولا قياس، وإنما هو تقليد أبي حنيفة فقط»، وقال أيضاً في المحلى (١/ ٢٦٠): «ومما يوجب المقت من الله تعالى: أن يجعلوا المرسل حجة، ثم لا يأخذون به، أو أن لا يروه حجة ثم يحتجون به، فيقولون ما لا يفعلون، كبر مقتاً عند الله»، وقد نقل ابن نصر المروزي في كتاب الوتر (٢٩٦ - مختصره)، عن أحمد بن حنبل، أنه كان يقول لهؤلاء، يعني: أصحاب أبي حنيفة: «ليس لهم بصر بشيء من الحديث، ما هو إلا الجرأة».
وأما عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار المكي القرشي، فقد روى عن جمع من الصحابة، وروى عنه: عبد الله بن عبيد بن عمير، وابن جريج، وعمرو بن دينار، ويوسف بن ماهك، وعكرمة بن خالد، قال فيه ابن سعد، وأبو زرعة، والنسائي:«ثقة»، وقال أبو حاتم:«صالح الحديث»، وذكره ابن حبان في الثقات، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن المديني [التهذيب (٧/ ٧٢٥)]، وقد تقدم له معنا قريباً أثر صحيح عن ابن عمر:
• رواه سفيان بن عيينة، وابن جريج: عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي عمار، قال: رأيت ابن عمر يرمي غراباً بالبيداء [وفي رواية: بالنبل] وهو محرم. [وهو موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح. تقدم تخريجه في المجلد الثامن والعشرين، تحت الحديث رقم (١٨٤٦)].
• قال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٤٤٨): «واحتج غير واحد من أصحابنا بخبر جابر هذا، وجعلوا الضبع مستثنى من جملة نهي النبي ﷺ عن كل ذي ناب من السباع، فإن قال قائل: ابن أبي عمار ما روى عنه غير عبد الله بن عبيد بن عمير؟ قيل: روى عنه ابن جريج وعمرو بن دينار، حديث: قلت لعمر بن الخطاب: قول الله ﷿: ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١]، رواه ابن جريج عنه، وحديث عمرو بن دينار عنه: أنه قال: رأيت ابن عمر يرمي غراباً على ظهر بعير وهو محرم. قال أبو بكر: وقد اختلف أهل العلم في أكل الضبع، فرخص أكثر أهل العلم فيه».