وقال ابن المنذر في الإشراف (١/ ٢٣١) في باب معنى قوله: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾: «كان ابن عباس يقول: جزاؤه من النعم دراهمًا، ثم يقوم الدراهم طعاماً، ثم يصوم عن كل نصف صاع يوماً، وبه قال الحسن البصري، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. واحتج أحمد بقول ابن عباس، واحتج غيره بخبر كعب بن عجرة؛ أن النبي ﷺ أمره أن يعطي كل مسكين نصف صاع من بر. وقال عطاء، ومالك، والشافعي: يصوم عن كل مد يوماً. قال أبو بكر والقول الأول أولى.
قال أبو بكر وفي هذه المسألة سوى هذين القولين أربعة أقاويل، أحدها: أن الصيام في جزاء الصيد ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، هذا قول سعيد بن جبير. والقول الثاني: قول أبي عياض: أن أكثر الصوم يكون أحد وعشرين يوماً. وقد روينا عن ابن عباس قولاً ثالثاً، وهو أنه إن قتل ظبياً فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وإن قتل أيلاً أو نحوه فعليه بقرة، فإن لم يجدها أطعم عشرين مسكيناً. فإن لم يجد صام عشرين يوماً، وإن قتل نعامة أو حمار وحش فعليه بدنة من الإبل، فإن لم يجدها أطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً، والطعام مداً مداً. قال أبو بكر: وهذا غير ثابت عن ابن عباس والقول الرابع: قول مال إليه أبو ثور: أن الخبراء كذا في ذلك مثل كفارة الآدمي».
وقال أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (٢/ ٣٣٥): «مسألة: الصوم عن كل مد بر يوماً، وعن كل نصف صاع تمراً وشعيراً يوماً: نص على هذا في رواية الأثرم في الفدية، فقال: إن أطعم براً فمد لكل مسكين، وإن أطعم تمراً فنصف صاع لكل مسكين. وقد أطلق القول في رواية حنبل وابن منصور يصوم عن كل نصف صاع يوماً، وهذا محمول على التمر والشعير.
وقال أبو حنيفة يصوم عن كل نصف صاع يوماً؛ عن البر والشعير والتمر. وقال مالك والشافعي: يصوم عن كل مد يوماً؛ من التمر والبر والشعير».
باب إذا اشتركوا في قتل صيد، هل يجزئهم جزاء واحد:
١ - عن عمر بن الخطاب:
• روى مالك، عن عبد الملك بن قُرَير، عن محمد بن سيرين؛ أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين، نستبق إلى ثغرة ثَنِيَّة، فأصبنا ظبياً ونحن محرمان، فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعال حتى أحكم أنا وأنت، قال: فحكما عليه بعنز، … فذكر الحديث، وفي آخره بين أن الحكم الآخر هو عبد الرحمن بن عوف. [وهذا الإسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع فيما بين محمد بن سيرين وعمر؛ فإنه لم يدركه، لكنه حديث صحيح، لاشتهاره من حديث عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر الأسدي بهذه القصة، وسيأتي تخريجه بطرقه قريباً إن شاء الله في جزاء الظبي، وتقدم تخريج حديث مالك قريباً].