للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

سنة، أما القرآن: فإن قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، فلا يدخل فيه فاسدهما، ولا ما حُكم عليه بالبطلان، فإنها حينئذ قد خرجت عن كونها صحيحة مقبولة، وأما ما روي مرسلاً في هذا المعنى، فهما مرسلان، أحدهما باطل المتن، والآخر صوابه مقطوع على سعيد بن المسيب، وأما الموقوفات على الصحابة، فإنما صح ذلك عن ابن عمر وابن عباس وابن عمرو، والسياق يدل على الاجتهاد في ذلك سداً لذريعة الوقوع فيما حرم الله من الاستمتاع بالنساء، كما يمكن حمله على من خشي فوات الحج، ولم يبق له مهلة لكي يرجع إلى الميقات، فيبدأ نسكاً جديداً، وهذا سياق بعض الروايات التي تدل على خشية الفوات:

فقد صح عن ابن عمر؛ أنه قال: بطل حجُّك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: بل تخرج مع الناس، وتصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلاً فحُجَّ وأهدِ. وقال بذلك ابن عباس، وابن عمرو. وظاهر السياق يدل على أنه قد شرع في المناسك.

وصح عن ابن عباس؛ أنه قال: يقضيان ما بقي من نسكهما، فإذا كان قابل حجا، فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرقا، وعلى كل واحد منهما هدي.

وصح أيضاً: أن رجلاً وامرأته من قريش لقيا ابن عباس بطريق المدينة، فقال: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل، فحجا عاماً قابلاً، ثم أهلا من حيث أهللتما، حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها ففارقها، فلا تراك ولا تراها، حتى ترميا الجمرة وأهد ناقة، ولتهدِ ناقة. وهذا محمول على أن السائل سأل في طريق العودة.

وصح أيضاً: أن رجلاً من أهل عُمان حج مع امرأته، فلما قضيا وحلق الرجل رأسه ولبس الثياب وذبح؛ ظن أنه قد حلّ له كل شيء؛ فوقع بامرأته قبل أن يطوف بالبيت، فانطلقت به إلى ابن عمر، فذكرت ذلك له؛ فقال: اقضيا ما بقي عليكما من نسككما، وعليكما الحج في قابل. قال: قلت يا أبا عبد الرحمن: إنهما من أهل عُمان بعيد الشقة؟ فلم يزدني على ذلك.

ثم ألا ترى أنه لا يختلف أحد في أنه إذا أفسد الصلاة لم يمض فيها، ولم يجز له أن يصليها فاسدة بلا وضوء، وهكذا الصوم إذا أفسده لم يمض فيه، وإنما يمسك لحرمة الزمان، فهذا هو الأصل في العبادة أنه لا يمضي في فاسدها إلا الحج والعمرة إذا خشي الفوات؛ فقط لأجل ما اتفق عليه ثلاثة من الصحابة من المضي في فاسده، أما لو أمكنه أن يأتي بالعمل على وجهه ابتداء، ويستدرك ما وقع منه من التفريط والمعصية، فما المانع من ذلك؟ لا سيما وقد قال به عطاء وقتادة وغيرهما.

ثم قال القاضي: «وقد أومأ أحمد إلى هذا [يعني: قول أبي حنيفة في سقوط دم القرآن والتمتع] في رواية المروذي: وقد سئل عن متمتع دخل مكة، فوطئ قبل أن يطوف بالبيت، فقال: لا تقل متمتع، لكن قل: معتمر، يرجع إلى الميقات الذي أهل منه، فيحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>