قلت: ولم يعدُّ ابن عباس في فتواه فدية الأذى، ولم يوجب عليهما دماً، ولكن السائلة هي التي شددت على نفسها.
• وأما ما رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [مدني، ثقة]، قال: حدثنا حميد؛ أنه سأل الحسن، عن امرأة قدمت معتمرة، فطافت بالبيت، وبين الصفا والمروة، فوقع عليها زوجها قبل أن تقصر؟ فقال: لتهدي هدياً؛ بعيراً أو بقرة.
قال حميد: فذكر [وفي رواية البيهقي: وذكر] بكر بن عبد الله؛ أن ابن عباس سئل عن ذلك، فقال: إنها لشبقة، قيل: إن المرأة شاهدة، فسكت، ثم قال: لتهدي هدياً؛ بعيراً أو بقرة.
أخرجه علي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (١٣٠). ومن طريقه: البيهقي (٥/ ١٧٢)(١٠/ ٢٥٣/ ٩٨٩٦ - ط هجر). والضياء المقدسي في حديث إسماعيل بن جعفر (٩).
قلت: وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد رجاله ثقات، وحميد بن أبي حميد الطويل: ثقة، معروف بالتدليس، وقد ذكر السماع من الحسن، ولم يذكره من بكر بن عبد الله المزني، وهو معروف بالرواية عنه [انظر: صحيح مسلم (١٣١٦). فضل الرحيم الودود (٢١/ ١٢٦/ ١٦٣٧)]، فأخاف أن يكون دلسه عن بكر، لا سيما وقد قال: وذكر بكر بن عبد الله؛ أن ابن عباس سئل عن ذلك، وهذه عبارة تستعمل أحياناً عند عدم السماع، هذا من وجه، ومن وجه ثان: لو كان هذا مما سمعه حميد من بكر عن ابن عباس؛ لما ابتدأ حميد بذكر الرواية النازلة من قول الحسن البصري مقطوعاً عليه، ولكان ابتدأ بذكر الرواية العالية من فتوى ابن عباس قوله موقوفاً عليه، ومن وجه ثالث: لو كان عند حميد في هذه المسألة علم عن ابن عباس؛ فلماذا يسأل الحسن البصري عنها؟! ألم يكن يكفيه ما عنده من علم عن ابن عباس فيها؟! والله أعلم.
فهو حديث منكر بهذا السياق، لم يثبت عن ابن عباس أنه أوجب في ذلك بدنة، وإنما أفتى بفدية الأذى، وخيَّر السائل بين الصيام والإطعام والنسك، ولكن السائل هو الذي شدد على نفسه، والله أعلم.
• نعود بعد ذلك إلى استكمال بقية الآثار في هذا الباب:
٥ - عن ابن عمر:
أ - تقدم أثر عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن ابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو.
فيما رواه عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: أن رجلاً أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة، فأشار إلى عبد الله بن عمر؛ فسأله فقال: بطل حجك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: بل تخرج مع الناس، وتصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلاً فحجَّ وأهدِ، … وبه قال ابن عباس، وابن عمرو. [وهو موقوف على عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، بإسناد صحيح؛ أن من أفسد حجه بالجماع: فإنه يمضي فيه، ويحج من قابل، ويهدي].