وَكَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾، استدل بعض علماء الشافعية بهذه الآية على أن المحصر في أول الآية العدو لا المرض، وهذا لا يلزم، فإن معنى قوله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ﴾، أي فعليه فدية، وإذا كان هذا وارداً في المرض بلا خلاف كان الظاهر أن أول الآية ورد فيمن ورد فيه وسطها وآخرها لاتساق الكلام بعضه على بعض، وانتظام بعضه ببعض، ورجوع الإضمار في آخر الآية إلى من خوطب في أولها، فيجب حمل ذلك على ظاهره حتى يدل الدليل على العدول عنه، ومما يدل على ما قلناه سبب نزول هذه الآية، روى الأئمة واللفظ للدارقطني: عن كعب بن عجرة؛ أن رسول الله ﷺ رآه وقمله يتساقط على وجهه، فقال:«أيؤذيك هوامك؟»، قال: نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يبين لهم أنهم يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله ﷺ أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام. خرجه البخاري بهذا اللفظ أيضاً. فقوله: ولم يبين لهم أنهم يحلون بها؛ يدل على أنهم ما كانوا على يقين من حصر العدو لهم، فإذا الموجب للفدية الحلق للأذى والمرض، والله أعلم.
وقال ابن حجر في الفتح (٤/١٩): «وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم: أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة، وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع، وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض أتباعه ضرراً سأل عنه وأرشده إلى المخرج منه».
• وانظر: أحكام القرآن للطحاوي (١/ ٤٣٣) و (٢/ ٢٦٦). شرح المعاني (٣/ ١٢٠). اختلاف العلماء (٢/ ١٩٥). أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص (١/ ٣٤٩). معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (١٧). التوسط بين مالك وابن القاسم (٤٩). الإشراف في مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (١/ ٤٧٤). شرح البخاري لابن بطال (٤/ ٤٧٣). الحاوي للماوردي (٤/ ١٠٤ - ١١٩). المسالك شرح الموطأ (٤/ ٤٦٧). الإعراب عن الحيرة والالتباس (١/ ٣٩٨). الاستذكار (٤/ ٣٨٦). التعليقة الكبيرة (١/ ٣٩٨) و (١/ ٤٢٩). الروايتين والوجهين (١/ ٢٧٥ - ٢٨٠). التفسير الوسيط للواحدي (١/ ٢٩٨). شرح السنة للبغوي (٧/ ٢٧٨). التفسير لأبي المظفر السمعاني (١/ ١٩٧). إكمال المعلم للقاضي عياض (٤/ ٢١٢). بحر المذهب (٣/ ٤٤٢). المغني (٥/ ٣٨١ - ٣٨٤). الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٨٩ - ط الرسالة). شرح مختصر الخرقي للزركشي (٣/ ٣٢٥). التوضيح لابن الملقن (١٢/ ٣١١). الفتح لابن حجر (٤/١٢ - ١٩) و (١١/ ٥٩٤). العجاب (١/ ٤٩١).
وممن قال بأن ما استيسر من الهدي: شاة:
١ - عن علي بن أبي طالب [ولا يثبت عنه] [أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٥١٨/ ١١٤٠ - رواية يحيى الليثي)(١٢٢٠ - رواية أبي مصعب)(١٠٧٤ - رواية ابن بكير)(٤٥٨ - رواية الشيباني)(٥٣٣ م - رواية الحدثاني)، وسعيد بن منصور في السنن (٣/ ٨٢/ ٣٢٨٣)،