ثم ذكر أحاديث الباب، ثم عقد فصلاً في موضع النسك، وذكر اختلافهم فيه، ثم قال:«والذي يدل على ما قلناه: قوله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكِ﴾؛ فأطلق ولم يقيد؛ فوجب أن يكون كل نسك أتى به فإنه يجزئ عنه، سواء كان في الحرم أو غيره.
ويدل على ذلك: ما روينا من قوله ﷺ الكعب بن عجرة: «صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة»، ولم يقيد ذلك بموضع دون موضع، فوجب أن يكون في أي موضع أتى بها أجزأت عنه.
ويدل على ذلك: ما روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد المخزومي، عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر، … »، فساق حديث علي بن أبي طالب في كونه فدى عن الحسين بالسقيا، ثم قال:«وهذا فعل صحابي إمام لا مخالف له.
ويدل عليه: أنه نوع من كفارة الأذى؛ فجاز الإتيان به بمكة وغيرها؛ أصله الصيام».
ثم قال القاضي عبد الوهاب (٢/ ٢٥١)(٣/ ٤٦٣ - ط الكتانية): «فصل: فأما قوله: إن النسك شاة؛ فلأن الله تعالى ذكره قال: ﴿أَوْ نُسُكِ﴾، فأطلق. وروي عن النبي ﷺ أنه قال لكعب بن عجرة: «انسك بشاة». وروي أنه ﷺ قال: أمعك هدى؟ قال: لا، قال:«انسك ما استيسر لك» [قلت: صح من حديث سيف بن سليمان، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، مرفوعاً:«أو انسك ما تيسر»]، فدل ذلك على أنه غير مقدَّر، وأنه على حسب الميسور، والله أعلم».
• وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٢٧)(٨/ ٣٤٣ - ط بشار): «مسألة: ومن احتاج إلى حلق رأسه وهو محرم؛ لمرض، أو صداع، أو لقمل، أو لجرح به، أو نحو ذلك مما يؤذيه؛ فليحلقه، وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير في أيها شاء لا بد له من أحدها: إما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين متغايرين لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولا بد، وإما أن يهدي شاة يتصدق بها على المساكين. ويصوم، أو يطعم، أو ينسك الشاة في المكان الذي حلق فيه أو في غيره فإن حلق رأسه لغير ضرورة، أو حلق بعض رأسه دون بعض، عامداً عالماً أن ذلك لا يجوز بطل حجه، فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقاً بعض رأسه فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة بأي وجه قطعه أو نزعه.
برهان ذلك قول الله ﷿ ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكِ﴾، فكان في هذه الآية التخيير في أي هذه الثلاثة الأعمال أحب، وليس فيها بيان كم يصوم؟ ولا بكم يتصدق؟ ولا بماذا ينسك؟ وفي الآية أيضاً حذف بينه الإجماع والسنة، وهو: فحلق رأسه».
• ومما ينبغي التنبيه عليه فيما نُقل عن الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، في حكم من حلق ربع الرأس، أو عشره، أو نتف شعرات، أو ثلاث، أو شعرتين، أو واحدة، أو نصف شعرة وإيجاب الفدية في ذلك على تفصيل كل مذهب، وما نقل في ذلك عن عطاء والحسن البصري: فلا يلتفت إلى شيء من ذلك، إنما أوجب الله ورسوله