ووجه ذلك في الإباحة للمحرم قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾، ولا خلاف أنها من صيد البحر؛ لأنها لا تكون إلا فيه. وأما سلحفاة البر ففي المبسوط: لا يصيدها المحرم. ووجه ذلك عندي أنه اعتقد أنها قد تكون في البراري دون المياه، والأصح عندي أنها لا تكون إلا في المياه، ولكنها تخرج منها في كثير من الأوقات.
المسألة الثامنة: وأما الضفدع، ففي المبسوط عن مالك؛ أنه من صيد البحر، وفي كتاب محمد: لا شيء على المحرم في قتله. قال أشهب وقيل يطعم شيئاً، ولعل أشهب قد راعى في هذه الرواية قول ابن نافع: لا يؤكل إلا بذكاة.
المسألة التاسعة: وأما الطير - «أعني طير الماء: ففي المبسوط عن مالك: لا يصيده المحرم. والدليل على صحة ذلك: أنه مما لا يستباح أكله إلا بذكاة، فوجب أن يكون من صيد البر كغيره من الطير».
وقال في موضع آخر (٤/ ٤٦٥): (وأما قوله): ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ الآية، وأجمعوا على أن صيد البحر والماء كله حلال للمحرم أكله وصيده إذا كان لا عيش له إلا في الماء، وإنما اختلفوا فيما يعيش في البحر وفي البر ويأوي في هذا وفي هذا، فمذهب مالك أنه يقضي فيه بالأغلب من ذلك. وقال الشافعي: كل ما صيد في ماء عذب أو ملح، قليل أو كثير، مما يعيش في البحر، ولا يحل إلا بالذكاة، فلا يأكله المحرم. وقال أبو حنيفة: الذي أرخص فيه من صيد البحر السمك خاصة، وما كان من طير يعيش في الماء فلا يقتله المحرم. وقال أبو ثور: يجوز للمحرم أن يصيد كل ما كان من طير يعيش في الماء فإنه حلال، وما لا يأوي إلى الماء فليس من صيد البحر، «وعلى المحرم إذا قتله الجزاء».
وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ١٧٨): ويحل للمحرم صيد البحر؛ لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾. قال ابن عباس وابن عمر: طعامه ما ألقاه. وعن ابن عباس: طعامه ملحه. وعن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير: طعامه الملح، وصيده ما اصطدنا. وأجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه. وصيد البحر: الحيوان الذي يعيش في الماء، ويبيض فيه، ويفرخ فيه، كالسمك والسلحفاة والسرطان، ونحو ذلك. وحكي عن عطاء فيما يعيش في البر، مثل السلحفاة والسرطان، فأشبه طير الماء [قلت: لا يثبت هذا عن عطاء].
ولنا: أنه يبيض في الماء، ويفرخ فيه، فأشبه السمك. فأما طير الماء، كالبط ونحوه، فهو من صيد البر في قول عامة أهل العلم، وفيه الجزاء.
وحكي عن عطاء أنه قال: حيث يكون أكثر، فهو صيده. وقول عامة أهل العلم أولى؛ لأنه يبيض في البر ويفرخ فيه، فكان من صيد البر كسائر طيره، وإنما إقامته في البحر لطلب الرزق والمعيشة منه كالصياد. فإن كان جنس من الحيوان، نوع منه في البحر