ونوع في البر، كالسلحفاة، فلكل نوع حكم نفسه، كالبقر، منها الوحشي محرم، والأهلي مباح».
قلت: بل قول عامة أهل العلم على قول عطاء، مثل: مالك والشافعي، فيما كان يعيش في البر والبحر، وأكثر عيشه في جوف الماء، مثل: كلب الماء، وترس الماء، فهو من صيد البحر، وسبق أن بينت معنى قول عطاء، ونقلت عن مالك والشافعي ما يوافق قول عطاء، وأما طير الماء ففيه الجزاء باتفاق أهل العلم؛ لأنه من صيد البر.
وقال ابن قدامة في موضع آخر (٥/ ٤٠٠): «أن الجزاء إنما يجب في صيد البر دون صيد البحر، بغير خلاف؛ لقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، قال ابن عباس: طعامه ما لفظه.
ولا فرق بين حيوان البحر الملح وبين ما في الأنهار والعيون، فإن اسم البحر يتناول الكل، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾، ولأن الله تعالى قابله بصيد البر، بقوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ﴾، فدل على أن ما ليس من صيد البر فهو من صيد البحر، وحيوان البحر ما كان يعيش في الماء، ويفرخ ويبيض فيه، فإن كان مما لا يعيش إلا في الماء كالسمك ونحوه، فهذا مما لا خلاف فيه، وإن كان مما يعيش في البر، كالسلحفاة والسرطان، فهو كالسمك، لا جزاء فيه. وقال عطاء: فيه الجزاء [قلت: ولا يثبت هذا عن عطاء]، وفي الضفدع، وكل ما يعيش في البر.
ولنا: أنه يفرخ في الماء ويبيض فيه، فكان من حيوانه كالسمك، فأما طير الماء، ففيه الجزاء في قول عامة أهل العلم؛ منهم الأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وغيرهم. لا نعلم فيه مخالفاً، غير ما حكي عن عطاء، أنه قال: حيثما يكون أكثر فهو من صيده [قلت: قال عطاء هذا في ابن الماء، وليس في طير الماء].
ولنا: أن هذا إنما يفرخ في البر ويبيض فيه، وإنما يدخل الماء ليعيش فيه ويكتسب منه، فهو كالصياد من الآدميين».
وقال في موضع آخر (١٣/ ٣٤٤ - ط التركي): «مسألة؛ قال: وما كان مأواه البحر، وهو يعيش في البر، لم يؤكل إذا مات في بر أو بحر».
كل ما يعيش في البر من دواب البحر، لا يحل بغير ذكاة، كطير الماء، والسلحفاة، وكلب الماء، إلا ما لا دم فيه كالسرطان، فإنه يباح بغير ذكاة. قال أحمد: السرطان لا بأس به، قيل له: يذبح؟ قال: لا. وذلك لأن مقصود الذبح إنما هو إخراج الدم منه، وتطييب اللحم بإزالته عنه، فما لا دم فيه، لا حاجة إلى ذبحه، وأما سائر ما ذكرنا، فلا يحل إلا أن يذبح. قال أحمد: كلب الماء يذبحه، ولا أرى بأساً بالسلحفاة إذا ذبح، والرق يذبحه. وقال قوم: يحل من غير ذكاة؛ لقول النبي ﷺ في البحر:«هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»، ولأنه من حيوان البحر، فأبيح بغير ذكاة، كالسمك والسرطان. وقال