الماء من صيد البحر. قال: وسئل مالك في ترس الماء: إذا مات ولم يذبح أيؤكل؟ قال: إني لأراه عظيما أن يترك ترس الماء؛ فلا يؤكل إلا بذكاة. قال: وقال مالك في جرة فيها صيد أو ما أشبهه وجدوا فيها ضفادع ميتة؟ فقال: لا بأس بذلك لأنها من صيد الماء. قلت: فما قول مالك في ترس الماء، هذه السلحفاة التي تكون في البراري؟ قال: ما سألت مالكا عنها، وما يشك أنها إذا كانت في البراري ليست من صيد البحر، وإنها من صيد البر فإذا ذكيت أكلت، «ولا تحل إلا بذكاة، ولا يصيدها المحرم».
وقال الشافعي في الأم (٣/ ٤٦٣): «والبحر اسم جامع، فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل: هذا بحر، فإن قال قائل: فالبحر المعروف البحر هو المالح، قيل: نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب، فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله؟ قيل: نعم، قال الله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾، ففي الآية دلالتان: إحداهما: أن البحر العذب والمالح، وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا، فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه، عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك، وأنه أحل كل ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده وطعامه عندنا ما ألقي وطفا عليه، والله أعلم، ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى، أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده، فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية، والله أعلم. فإن قال قائل: فهل من خبر يدل على هذا؟ … »، فاستدل بأثر ابن جريج عن عطاء.
وقال في موضع آخر (٣/ ٤٦٤): «باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه: قال الشافعي: ذكر الله ﷿ على صيد البحر جملة ومفسرا»، فالمفسر من كتاب الله ل يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة، والله أعلم. قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، فلما أثبت الله على إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما، دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام؛ لأنه - والله أعلم - لا يشبه أن يكون حرم بالإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله، فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كاف منه، وسنة رسول الله ﷺ تدل على معنى ما قلت، وإن كان بينا في الآية، والله أعلم [. وانظر أيضا: الأم (٣/ ٦٣٣). اختلاف الحديث (٢٤٣)].
وقال في موضع آخر (٣/ ٥٤٠): «فكل ما كان فيه صيد في بئر كان أو ماء مستنقع أو غيره فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم يصاد ويؤكل؛ لأنه مما لم يمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش في أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر إذا أصيب جزى».