ثم قال: «قول عمر: درهمان خير من مائة جرادة؛ يدل على أنه لا يرى في الجراد إلا قيمته، وقوله: اجعل ما جعلت في نفسك، أنك هممت بتطوع بخير فافعل، لا أنه عليك.
والدبا: جراد صغار، ففي الدباة منه أقل من تمرة إن شاء الذي يفديه، أو لقمة صغيرة، وما فدى به فهو خير منه.
• وقال غلام الخلال في زاد المسافر (١٧٣١): «وقال في رواية حنبل: والمحرم إذا أصاد الجراد، تصدق عن كل جرادة بتمرة، … ، ولا يصاد الجراد في الحرم إذا سقط». وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ٢٥٠): واختلفوا في الجراد يصيبه المحرم، فروينا عن ابن عباس، وكعب أنهما قالا: هو من صيد البحر. قال عروة: الجراد من نثرة حوت فكلوه براً وبحراً. وقال آخرون فيه صدقة إذا أصابه المحرم. وروي معنى هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعن عبد الله بن عمر، وأن في الجراد تمرة. وقال ابن عباس فيمن قتل جرادة وهو محرم تصدق بقبضة من طعام. وقال عطاء: في الجرادة قبضة أو لقمة. وقال الشافعي وأبو ثور في الجرادة القيمة».
وقال أبو يعلى الفراء في الروايتين والوجهين (١/ ٣٠٠): «مسألة: واختلفت في الجراد هل يضمنه المحرم؟
فنقل حنبل: إذا أصاب المحرم الجراد تصدق عن كل جرادة بتمرة، وقال في موضع آخر في الجراد والسمك: لا بأس بأكلهما للمحرم ليس لهما ذكاة».
• وأما ابن حزم فإنه لم يذهب إلى تحكيم الصحابة في جزاء الجرادة، بدعوى اختلاف الصحابة والتابعين على ثمانية أقوال، وهذا تهويل، بل يرجع ما صح عن الصحابة إلى قولين: تمرة، أو قبضة من طعام، وهما متقاربان والعمل بهما أولى مما ادعاه ابن حزم، حيث أتى بقول لم يسبق إليه، فقال في المحلى (٥/ ٢٥٤): «إنما أمر الله تعالى بتحكيم في الجزاء من النعم لا في الإطعام ولا في الصيام، فلا يجوز التحكيم في هذين العملين … ،» فكل ما كان له مثل من صغار النعم جزي به، وما لم يكن له مثل من كبار النعم ولا صغاره فإنما فيه فدية طعام مساكين كما قال ﷿: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥].
وقال:«فلم يجعل في كبير الصيد وصغيره إلا فدية طعام مساكين أو عدله صياماً: فوجب في الجرادة فما فوقها إلى النعامة، وفي ولد أصغر الطير إلى حمار الوحش: إطعام ثلاثة مساكين فقط. وأما الصيام فلا صيام في الإسلام أقل من صوم يوم، ففي كل صغير منها صوم يوم فقط؛ فإن كان يشبع بكبر جسمه إنسانين أو ثلاثة فأكثر: فلكل آكل صوم يوم كما نص الله تعالى»، وقد أقر بأن هذا القول لا يحفظ عن أحد ممن سلف.
وذهب إلى تضعيف القول بأنه من صيد البحر، فقال: وهذا خطأ؛ لأنها إن غمست في البحر ماتت، وقال: وبالعيان يرى الناس الجراد يبيض في البر، وفي البر يفقس عنه