وقال سحنون لأشهب بن عبد العزيز في كتاب الحج من المدونة (١٥٣): «قلت لأشهب: أرأيت الجرادة يصيبها المحرم، أو يصاد في الحرم؟ فقال لي: لا يجوز لمحرم أن يصيد جرادة، ولا أن يصيبها حرام ولا حلال في الحرم، لأن الجراد من صيد البر، فيه معاشه وموئله، وجزاء الجراد: قبضة من طعام أو تمرة، والتمر خير منها، ولكن القبضة من أول ما تطعم».
ثم ذكر الآثار الواردة في القبضة، ثم قال أشهب:«فلهذه الأحاديث، رأيت في الجرادة والجرادات قبضة من طعام، وإن قبضة من أقل ما يطعم أحد، وقد جاء في الجرادة تمرة».
ثم ذكر الآثار الواردة في التمرة، ثم قال أشهب:«ومن جزاء كل جرادة بتمرة، أو كل جرادة بقدرها من الطعام خبزا، أو حبا، أجزأ ذلك عنه. وفي الجرادة الواحدة، قبضة من طعام أحب إلي، والجرادات كذلك قبضة».
• وقال الشافعي في الأم (٣/ ٥٠٤) في قصة معاذ وكعب مع عمر: «في هذا الحديث دلائل منها: إحرام معاذ وكعب وغيرهم من بيت المقدس وهو وراء الميقات بكثير، وفيه: أن كعبا قتل الجرادتين حين أخذهما بلا ذكاة، وهذا كله قد قص على عمر فلم ينكره، وقول عمر: درهمان خير من مائة جرادة؛ أنك تطوعت بما ليس عليك، فافعله متطوعا»، ثم أسند أثر القاسم بن محمد عن ابن عباس في القبضة، ثم قال:«وهذا يدل على أنه إنما رأى عليه قيمة الجرادة وأمره بالاحتياط، وفي الجرادة قيمتها في الموضع الذي يصيبها فيه كان تمرة أو أقل أو أكثر، وهذا مذهب القوم، والله أعلم».
ووجدت مذهب عمر وابن عباس وغيرهم في الجرادة: أن فيها قيمتها، ووجدت كذلك مذهبهم أن في دواب الصيد مثله من النعم بلا قيمة؛ لأن الضبع لا يسوى كبشا، والغزال قد يسوى عنزا ولا يسوى عنزا، واليربوع لا يسوى جفرة، والأرنب لا يسوى عناقا
فلما رأيتهم ذهبوا في دواب الصيد على تقارب الأبدان لا القيم لما وصفت؛ ولأنهم حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى، ولو حكموا بالقيم لاختلفت أحكامهم؛ لاختلاف البلدان والأزمان، ولقالوا: فيه قيمته، كما قالوا في الجرادة، ووجدت مذاهبهم مجتمعة على الفرق بين الحكم في الدواب والطائر؛ لما وصفت من أن في الدواب مثلا من النعم، وفي الجرادة من الطائر قيمة، وفيما دون الحمام.
قال الشافعي:«ثم وجدت مذاهبهم تفرق بين الحمام وبين الجرادة؛ لأن العلم يحيط أن ليس يسوى حمام مكة شاة، وإذا كان هذا هكذا، فإنما فيه اتباعهم؛ لأنا لا نتوسع في خلافهم، إلا إلى مثلهم، ولم نعلم مثلهم خالفهم».
وقال في موضع آخر (٣/ ٥١١): «وقوله: ولنأخذن بقبضة جرادات: إنما فيها القيمة، وقوله: ولو؛ يقول: تحتاط، فتخرج أكثر مما عليك، بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك».