للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

له، كما جاء في الأحاديث الصحيحة. وقالت الطائفة الثالثة: التي فيها فقهاء الحديث: بل هو مباح للمحرم إذا لم يصده له المحرم ولا ذبحه من أجله؛ توفيقاً بين الأحاديث، كما روى جابر عن النبي أنه قال: «لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم»، قال الشافعي: هذا أحسن حديث في هذا الباب وأقيس. وهذا مذهب مالك، وأحمد، والشافعي، وغيرهم. وإنما اختلفوا إذا صيد لمحرم بعينه، فهل يباح لغيره من المحرمين؟ على قولين، هما وجهان في «مذهب أحمد رحمه الله تعالى».

وقال في إبطال التحليل (٧٣): «ولا محمل لهذه الأحاديث المختلفة إلا أن يكون إباحة لمحرم لم يُصَد له، ورده حيث ظنَّ أنه قد صيد له، ولهذا ذهب طائفة من السلف إلى تحريم لحم الصيد على المحرم مطلقاً، وذهب آخرون منهم أبو حنيفة إلى إباحته للمحرم مطلقاً، وكان هذا القول أقيس عند من لم يعتبر المقاصد؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، فحرم على المحرم صيد البر دون طعامه، وصيده ما صيد منه حياً، وطعامه ما كان قد مات، فظهر أنه لم يحرم أكل لحمه، لا سيما وقد قال: ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمُ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُّتَعَمِّدًا﴾، وإنما أراد بالصيد نفس الحيوان الحي، فعلم أنه هو المحرم، ولو قصد تحريمه مطلقاً لقال: لحم الصيد، كما قال: لحم الخنزير، فلما بينت سنة رسول الله معنى كتاب الله، ودلت على أن الصيد إذا صاده الحلال للحرام وذبحه لأجله كان حراماً على المحرم، ولو أنه اصطاده اصطياداً مطلقاً وذبحه لكان حلالاً له وللمحرم، مع أن الاصطياد والذكاة عمل حسي، أثرت النية فيه بالتحليل والتحريم، علم بذلك أن القصد مؤثر في تحريم العين التي تباح بدون القصد، وإذا كان هذا في الأفعال الحسية ففي الأقوال والعقود أولى.

يوضح ذلك: أن المحرم إذا صاد الصيد أو أعان عليه بدلالته أو إعارة آلة أو نحو ذلك؛ صدر منه فعل ظهر به تحريم الصيد عليه؛ لكونه استحل بفعل محرم، فصار كذكاته مع القدرة عليه في غير الحلق، أما إذا لم يعلم ولم يشعر، وإنما الحلال قصد أن يصيده ليضيفه به أو ليهبه له أو ليبيعه إياه، فإن الله سبحانه حرمه عليه بنية صدرت من غيره لم يشعر بها لئلا يكون للمحرم سبب في قتل الصيد بوجه من الوجوه، وليتم حرمة الصيد وصيانته من جهة المحرم بكل طريق، فإذا ذبح الصيد بغير سبب منه ظاهراً ولا باطناً؛ جاز له أن يأكل لحمه ضمناً وتبعاً، لا أصلاً وقصداً».

• وقال ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٣٦٣ - ط عطاءات العلم): «وقد اختلف الناس قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وأشكلت عليهم الأحاديث فيها»، فكان عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصيد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وأبي هريرة، ذكر ذلك ابن عبد البر عنهم، وحجتهم: حديث أبي قتادة المتقدم، وحديث طلحة بن عبيد الله، وحديث البهزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>