للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقالت طائفة: لحم الصيد حرام على المُحرِم بكلِّ حال، وهذا قول علي، وابن عباس، وابن عمر، قال ابن عباس: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ﴾ [المائدة: ٩٦] هي مبهمة. وروي عن طاووس وجابر بن زيد وسفيان الثوري المنع منه، وحجة هذا المذهب: حديث ابن عباس عن الصَّعب بن جثامة، وحديث علي في أول الباب، واحتجوا بظاهر الآية، وقالوا: تحريم الصيد يعم اصطياده وأكله.

وقالت طائفة: ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله، فلا يجوز له أكله، وما لم يصده من أجله، بل صاده لنفسه أو لحلال، لم يحرم على المحرم أكله، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم، وقول إسحاق وأبي ثور، قال ابن عبد البر: وهو الصحيح عن عثمان في هذا الباب، قال: وحجة من ذهب هذا المذهب: أنه عليه تصح الأحاديث في هذا الباب، وإذا حملت على ذلك لم تتضاد ولم تختلف ولم تتدافع، وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها ببعض ما وجد إلى استعمالها سبيل. تم كلامه.

وآثار الصحابة كلها في هذا الباب إنما تدل على هذا التفصيل؛ فروى البيهقي من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم، وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أتي بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا، قالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي. وحديث أبي قتادة والبهزي وطلحة بن عبيد الله قضايا أعيان لا عموم لها، وهي تدل على جواز أكل المحرم من صيد الحلال، وحديث الصعب بن جثامة يدل على منعه منه، وحديث جابر صريح في التفريق، فحيث أكل عُلِم أنه لم يُصَد لأجله، وحيث امتنع عُلِم أنه صيد لأجله، فهذا فعله، وقوله في حديث جابر يدل على الأمرين، فلا تعارض بين أحاديثه بحال.

«وكذلك امتناع علي من أكله لعله ظن أنه صيد لأجله، وإباحة النبي لأصحابه حمار البهزي، ومنعهم من التعرض للظبي، لأن الحمار كان عقيراً في حد الموت، وأما الظبي فكان سالماً لم يسقط إلى الأرض، فلم يتعرض له لأنه حيوان حي، والله أعلم».

وانظر: اختلاف الفقهاء لابن نصر المروزي (٤٠٩). أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص (٤/ ١٤٧). الإشراف للقاضي عبد الوهاب المالكي (١/ ٤٩٧ و ٤٩٩). عيون المسائل (٥٩١ - ٥٩٣). التلقين (٢١٨). التجريد للقدوري (٤/ ٢٠٦٠ - ٢٠٦٨). شرح البخاري لابن بطال (٤/ ٤٨٢ - ٤٨٨). الحاوي للماوردي (٤/ ٢٨٢). السنن الكبرى للبيهقي (٥/ ١٩٤). التمهيد لابن عبد البر (٩/ ٥٦) و (٢١/ ١٥٢). الاستذكار (٤/ ١٣٥). التعليقة الكبيرة لأبي يعلى الفراء (٢/ ٣٣٦ - ٣٥٥). المنتقى لأبي الوليد الباجي (٢/ ٢٤٧). بحر المذهب (٤/٤٩). البيان والتحصيل (٤/ ٥٩). إكمال المعلم (٤/ ١٩٦). عارضة الأحوذي (٤/ ٧٨). أحكام القرآن (٢/ ١٩٩). بدائع الصنائع (٢/ ٢٠٥). شرح مسلم للنووي (٨/ ١٠٣ - ١١٣). المجموع شرح المهذب (٧/ ٣٢٤ - ٣٣٢). إحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>