الأخبار فوجدنا فيها إباحة أكل ما صاده الحلال للمحرم، ثم نظرنا في التي قبلها فوجدناها ليس فيها نهي المحرم عن أكل ما صاده المحل أصلا، وإنما فيها قوله ﷺ:«إنا لا نأكله إنا حرم»، و «لولا أننا محرمون لقبلناه»، فإنما فيه رد الصيد على مهديه لأنهم حرم، وترك أكله لأنهم حرم؛ وهذا فعل منه ﵇ وليس أمرا، وإنما الواجب أمره، وإنما في فعله الائتساء به فقط، وهذا مثل قوله ﵇:«أما أنا فلا آكل متكئا»، وتركه أكل الضب، فلم يحرم بذلك الأكل متكئا لكن هو الأفضل، ولم يحرم أيضا أكل المحرم الصيد يصيده المحل بقوله ﵇:«إنا لا نأكله لأنا حرم»، لكن كان ترك أكله أفضل، وهكذا روي عن عائشة، ولا حرج في أكله أصلا ولا كراهة؛ لأنه ﵇ قد أباحه وأكله أيضا، فمرة أكله، ومرة لم يأكله، ومرة قبله، ومرة لم يقبله، فكل ذلك حسن مباح، ثم أورد ابن حزم القول الراجح عندنا والذي فيه إعمال جميع الأدلة الواردة في الباب، وهو قول الجمهور: أن لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده أو يصد له، ولم يأمر بصيده، ولم يكن منه إشارة أو إعانة أو دلالة عليه، ثم ضعف دليله والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
* وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ١٣٢): «مسألة: قال: ولا يقتل الصيد، ولا يصيده، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، حلالا ولا محرما.
لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم، وقد نص الله تعالى عليه في كتابه، فقال سبحانه: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُم﴾، وقال تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد، والدلالة عليه؛ فإن في حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي، وأصحابه محرمون، قال النبي ﷺ لأصحابه: «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟»، وفي لفظ متفق عليه: فأبصروا حمارا وحشيا، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني، وأحبوا لو أني أبصرته. وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الدلالة عليه وسؤال النبي ﷺ لهم:«هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟»؛ يدل على تعلق التحريم بذلك لو وجد منهم، ولأنه تسبب إلى محرم عليه، فحرم كنصبه الأحبولة.
فصل: ولا تحل له الإعانة على الصيد بشيء، فإن في حديث أبي قتادة المتفق عليه: ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: والله لا نعينك عليه. وفي رواية: فاستعنتهم، فأبوا أن يعينوني. وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الإعانة، والنبي ﷺ أقرهم على ذلك. ولأنه إعانة على محرم، فحرم، كالإعانة على قتل الآدمي».
ثم قال ابن قدامة (٥/ ١٣٥): (مسألة): قال: ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله؛ لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، وإن صاده حلال وذبحه، وكان من المحرم إعانة فيه، أو دلالة عليه، أو إشارة إليه، لم يبح أيضا، وإن صيد من أجله، لم يبح له أيضا أكله، وروي ذلك