عن عثمان بن عفان، وهو قول مالك، والشافعي، وقال أبو حنيفة: له أكله؛ لقول النبي ﷺ في حديث أبي قتادة:«هل منكم أحد أمره، أو أشار إليه بشيء؟»، قالوا: لا، قال:«فكلوا ما بقي من لحمها». متفق عليه. فدل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة، ولأنه صيد مذكى، لم يحصل فيه ولا في سببه صنع منه، فلم يحرم عليه أكله، كما لو لم يصد له، وحكي عن علي، وابن عمر، وعائشة، وابن عباس، أن لحم الصيد يحرم على المحرم بكل حال، وبه قال طاووس، وكرهه الثوري، وإسحاق؛ لعموم قوله: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾، ثم ذكر حديث الصعب بن جثامة بألفاظه، وما أخرجه أبو داود من حديث علي بن أبي طالب، ثم قال: ولأنه لحم صيد فحرم على المحرم، كما لو دل عليه.
ولنا: ما روى جابر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يصد لكم»، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: هو أحسن حديث في الباب [قلت: نقله عن الشافعي قوله]. وهذا صريح في الحكم، وفيه جمع بين الأحاديث، وبيان المختلف منها، فإن ترك النبي ﷺ للأكل مما أهدي إليه، يحتمل أن يكون لعلمه أنه صيد من أجله أو ظنه، ويتعين حمله على ذلك، لما قد ثبت من حديث أبي قتادة، وأمر النبي ﷺ أصحابه بأكل الحمار الذي صاده. وعن طلحة، أنه أهدي له طير، وهو راقد، فأكل بعض أصحابه وهم محرمون، وتورع بعض، فلما استيقظ طلحة وفق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله ﷺ. رواه مسلم. وفي الموطأ: أن رسول الله ﷺ خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء، إذا حمار وحشي عقير، فجاء البهزي وهو صاحبه، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله ﷺ أبا بكر فقسمه بين الرفاق. وهو حديث صحيح. «وأحاديثهم إن لم يكن فيها ذكر أنه صيد من أجلهم، فيتعين ضم هذا القيد إليها لحديثنا، وجمعاً بين الأحاديث، ودفعاً للتناقض عنها، ولأنه صيد للمحرم، فحرم، كما لو أمر أو أعان».
ثم قال (٥/ ١٣٨): «فصل: وما حرم على المحرم، لكونه صيد من أجله، أو دل عليه، أو أعان عليه، لم يحرم على الحلال أكله؛ لقول علي: «أطعموه حلالاً». وقد بينا حمله على أنه صيد من أجلهم، وحديث الصعب بن جثامة، حين رد النبي ﷺ الصيد عليه، ولم ينهه عن أكله، ولأنه صيد حلال، فأبيح للحلال أكله، كما لو صيد لهم، وهل يباح أكله لمحرم آخر؟ ظاهر الحديث إباحته له؛ لقوله:«صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه، أو يصد لكم»، وهو قول عثمان بن عفان؛ لأنه روي أنه أهدي إليه صيد وهو محرم، فقال لأصحابه كلوا، ولم يأكل هو، وقال:«إنما صيد من أجلي»، ولأنه لم يُصد من أجله، فحل له كما لو صاده الحلال لنفسه. ويحتمل أن يحرم عليه، وهو ظاهر قول علي؛ لقوله: أطعموه حلالاً، فإنا حرم»، ولقول النبي ﷺ في حديث أبي قتادة:«هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟»، قالوا: لا، قال:«فكلوه»، «فمفهومه أن إشارة واحد منهم تحرمه عليهم».