• ورواه سفيان بن حبيب، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي ﷺ حماراً وهو محرم؛ فرده عليه.
أخرجه النسائي في المجتبى (٥/ ١٨٥/ ٢٨٢٣)، وفي الكبرى (٤/ ٨١/ ٣٧٩٢)، وفي الرابع من الإغراب (١١٨). [التحفة (٤/ ٣١٩/ ٥٤٩٩)، المسند المصنف (١٠/ ٢٣٨/ ٤٨٥٧)].
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه والكلام عليه تحت طرق حديث حبيب.
قلت: قد زاد جماعة الثقات من أصحاب شعبة في هذا الحديث زيادة صحيحة محفوظة، تدل على كون الحمار مذبوحاً، وقال أكثرهم: يقطر دماً، مما يدل على أنه حديث الذبح، وأنه صيد لأجل النبي ﷺ، ولذلك رده.
ومع ذلك فقد ذهب البيهقي في السنن (٥/ ١٩٣) إلى تقوية رواية الأعمش عن حبيب برواية أبي داود عن شعبة عن حبيب بدون القيد، وأن الحكم بن عتيبة هو الذي انفرد بهذا القيد، حتى قال:«وإذا كانت الرواية هكذا: وافقت رواية شعبة عن حبيب؛ رواية الأعمش عن حبيب، ووافقت رواية شعبة عن الحكم؛ رواية منصور عن الحكم؛ فيكون الحكم منفرداً بذكر اللحم أو ما في معناه، والله أعلم». [وانظر أيضاً: المعرفة (٧/ ٤٢٧)].
قلت: وحتى لو سلمنا جدلاً بصحة ما ذهب إليه: فالزيادة من الثقة الحافظ مقبولة، والحكم بن عتيبة: تابعي، ثقة ثبت، فقيه.
والذي دفع البيهقي لذلك هو تقليد إمامه الشافعي، وتصحيح مذهبه، فإنه حكى بعد ذلك قول الشافعي:«فإن كان الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي ﷺ الحمار حياً فليس لمحرم ذبح حمار وحش حي، وإن كان أهدى له لحماً فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فردَّه عليه، وإيضاحه في حديث جابر بن عبد الله.
وحديث مالك أن الصعب أهدى للنبي ﷺ حماراً: أثبت من حديث من حدث أنه أهدى له من لحم حمار، والله أعلم».
ومما يمكن الجمع به بين روايات حديث الصعب بن جثامة؛ ما نقله ابن حجر في الفتح (٤/٣٢) عن القرطبي قوله: «يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحاً، ثم قطع منه عضواً بحضرة النبي ﷺ فقدمه له، فمن قال: أهدى حماراً؛ أراد بتمامه مذبوحاً لا حياً، ومن قال: لحم حمار؛ أراد ما قدمه للنبي ﷺ. قال: ويحتمل أن يكون من قال: حماراً؛ أطلق، وأراد بعضه مجازاً، قال: ويحتمل أنه أهداه له حياً فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه، ظاناً أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل. قال: والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات».
ثم قال: «وقال النووي: ترجم البخاري بكون الحمار حياً، وليس في سياق الحديث