وجملة هذا: أن ما آذى الناس أو آذى أموالهم فإن قتله مباح، سواء كان قد وجد منه الأذى كالسبع الذي قد عدا على المحرم، أو لا يؤمن أذاه مثل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور، فإن هذه الدواب ونحوها تدخل بين الناس من حيث لا يشعرون، ويعم بلواهم بها، فأذاها غير مأمون. قال أصحابنا: قتله مستحب، وهذا إجماع؛ وذلك لما روى ابن عمر قال: حدثتني إحدى نسوة النبي ﷺ، عن النبي ﷺ قال:«يقتل المحرم: الفأرة، والعقرب، والحدأة، والكلب العقور، والغراب … .، ثم ذكر أحاديث الباب، وألفاظها، ثم قال: فذكر النبي ﷺ ما يؤذي الناس في أنفسهم وأموالهم، وسماهن فواسق لخروجهن على الناس، ولم يكن قوله: «خمس» على سبيل الحصر؛ لأن في أحد الحديثين ذكر الحية، وفي الآخر ذكر العقرب، وفي آخر ذكرها وذكر السبع العادي، فعلم أنه قصد بيان ما تمس الحاجة إليه كثيراً، وهو هذه الدواب، وعلل ذلك بفسوقها؛ لأن تعليق الحكم بالاسم المشتق المناسب يقتضي أن ما منه الاشتقاق علة للحكم، فحيثما وجدت دابة فاسقة - وهي التي تضر الناس وتؤذيهم - جاز قتلها»، ثم تطرق لتأويل حديث أبي سعيد الخدري في عدم قتل الغراب، وسبق بيان ضعفه، ثم ذكر ما يتعلق بقتل السباع العادية وجوارح الطير، هل تقتل إذا آذت؟ أم تقتل ابتداء كالخمس الفواسق؟ ونقل عن جماعة قتلها ابتداء كالفواسق، وأنه يقتل السبع عدا عليه أو لم يعد ثم قال: وعنه رواية أخرى: أنه إنما يقتل إذا عدا عليه بالفعل، فإذا لم يعد فلا ينبغي قتله؛ لأنه قال في رواية حنبل: فإن قتل شيئاً من هذه من غير أن تعدو عليه فلا كفارة عليه، ولا ينبغي له. وقال أيضاً: يقتل ما عدا عليه من السباع ولا كفارة عليه، ولهذا قال ابن تيمية:«فإن جميع السباع عادية بمعنى أنها تفترس، ولذلك حرم أكلها، فعلم أنه أراد عدواناً تنشئه وتفعله، فلا تقصد في مواضعها ومساكنها فتقتل، إلا أن يُقصد ما من شأنه أن يعدو على بني آدم كالأسد، فيقتل الذي من شأنه أن يعدو دون أولادها الصغار، ودون ما لا يعدو على الناس».
ثم ذكر بأن هذه الرواية أصح لوجوه: أحدها: أن النبي ﷺ لو أراد بهذا الحديث الإذن في قتل كل ما لا يؤكل لقال: يقتل كل ما لا يؤكل، ويقتل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، فإنه ﷺ كان قد أوتي جوامع الكلم، … ، الثاني: أنه سئل عما يقتل المحرم من الدواب. الثالث: أنه علل الحكم بأنهن فواسق، والفاسق هو الذي يخرج على غيره ابتداء بأن يقصده في موضعه، أما من لا يخرج حتى يقصد في موضعه فليس بفاسق. الرابع: أنه خص الكلب العقور، ولو قصد ما لا يؤكل أو ما هو سبع في الجملة لم يخص العقور من غيره، فإن الكلب سبع من السباع، وأكله حرام. الخامس: أنه ذكر من الدواب والطير ما يأتي الناس في مواضعهم، ويعم بلواهم به، بحيث لا يمكنهم الاحتراز منه في الغالب إلا بقتله، مثل: الْحُدَيَّا، والغراب، والحية، والعقرب، ومعلوم أن هذا وصف مناسب للحكم، فلا يجوز إهداره عن الاعتبار وإثبات الحكم بدونه إلا بنص آخر. السادس: أنه قال: والسبع العادي، ولا يجوز أن يكون العدوان صفة