للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التعدية بالأذى، وأنه الأشبه بالقياس، وقال: «فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق، وهو الخروج عن الحد، وأما التعليل بحرمة الأكل: ففيه إبطال ما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق؛ لأن مقتضى العلة: أن يتقيد الحكم بها وجوداً وعدماً، فإن لم يتقيد وثبت الحكم حيث تُعدم: بطل تأثيرها بخصوصها في الحكم حيث ثبت الحكم مع انتفائها، وذلك خلاف ما دل عليه النص من التعليل بها»، قلت: ولا يعترض بهذا على الشافعي لكونه أعمل هذه العلة، وهي ثبوت الضرر والأذى، ومثال ذلك من كلام الشافعي: قال في الأم (٣/ ٥٣٩): «وما لا يؤكل لحمه من الصيد صنفان صنف عدو عاد، ففيه ضرر، وفيه أنه لا يؤكل؛ فيقتله المحرم»، وقال في موضع آخر (٨/ ٥٨٢): «فكل ما جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الإحلال، وأن يكون مضراً: قتله المحرم».

وقال في البحث الرابع: أن سبب التخصيص عند من علل بالأذى: أنها إنما خصت بالذكر لينبه بها على ما في معناها، فنبه بالحية والعقرب على ما يشاركهما في الأذى باللسع كالبرغوث مثلاً، ونبه بالفأرة على ما أذاه بالنقب والتقريض كابن عرس، ونبه بالغراب والحدأة على ما أذاه بالاختطاف كالصقر والبازي، ونبه بالكلب العقور على كل عاد بالعقر والافتراس بطبعه كالأسد والفهد والنمر.

وأما من قال بالتعدية إلى كل ما لا يؤكل: فقد أحالوا التخصيص بذكر هذه الخمسة على الغالب، لكثرة ملابستها للناس ومخالطتها لهم في الدور، فلم يعد للتخصيص مفهوم، فاعترض عليهم الخصوم بأن إلحاق المسكوت بالمنطوق قياساً شرطه مساواة الفرع للأصل أو رجحانه، أما إذا انفرد الأصل بزيادة يمكن أن تعتبر فلا إلحاق، ولما كانت هذه الأشياء عامة الأذى ناسب أن يكون ذلك سبباً لإباحة قتلها لعموم ضررها، وهذا المعنى معدوم فيما لا يعم ضرره مما لا يخالط في المنازل، فلا تدعوا الحاجة إلى إباحة قتله كما دعت إلى إباحة قتل ما يخالط من المؤذيات فلا يلحق به. وأجاب الأولون عن هذا بوجهين: أحدهما: أن الكلب العقور نادر وقد أبيح قتله. والثاني: معارضة الندرة في غير هذه الأشياء بزيادة قوة الضرر، ألا ترى أن تأثير الفأرة بالنقب، والحدأة بخطف شيء يسير، لا يساوي ما في الأسد والفهد من إتلاف الأنفس؟ فكان إباحة القتل أولى.

وأما البحث الخامس: فذكر فيه اختلافهم في تفسير الكلب العقور.

وأما البحث السادس: فذكر فيه اختلافهم في قتل صغار وكبار هذه الأجناس الخمسة، فمن نظر إلى عدم تحقق صفة الفسق في الصغار؛ فإنه امتنع من قتلها، لأن الحكم يزول بزوال علته، ومن نظر لعموم النص أباح قتلها، ومن نظر إلى صفة العقر في الكلب؛ فإنها لا تتحقق في الصغير، ثم إنه قد يكبر ولا يكون عقوراً، فامتنع من قتله حتى تتحقق فيه صفة العقر إذا كبر، والله أعلم.

وأما البحث السابع: فذكر فيه مسألة من التجأ إلى الحرم بعد قتله لغيره، فهل يُقتل به، أم لابد من إخراجه لإقامة الحد عليه حيث اقترف جرمه؟ وليس هذا موضع بحثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>